إذا تذكَّرنا أنَّ نسبةَ مرض السكري في العالم هي في ازدياد، عرفنا أنَّ ملايين المسلمين من مرضى السكَّري يحتاجون إلى توجيهات خاصَّة، تجعل من شهر رمضان عليهم - كما هو على كلِّ المسلمين - شهراً عزيزاً على النفس حبيباً إلى القلب، تبتهج النفسُ بقدومه، و تأنس به، و ترتاح إليه و فيه.
هل يصوم مريض السكري أم لا ؟
يصرُّ كثيرٌ من مرضى السكَّري - شفاهم الله - على أن يصوموا مع الناس في رمضان، و هذا الحرصُ يُشكَر لهم و يُحمَد؛ لكن هل كلُّ مرضى السكَّري يستطيعون الصيام ؟
الذي يتَّفق عليه كثيرٌ من الأطبَّاء المسلمين، نتيجة الخبرة العملية و الدراسات العلمية، أنَّ مرضى السكَّري بالنسبة للصيام أصناف :
- الصنف الأوَّل :
مرضى السكَّري من النوع الثاني ( غير المعتمد على الأنسولين )
و قد أُجريت لأجلهم عدَّةُ دراسات علمية أكَّدت كثيرٌ منها أنَّ مرضى السكَّري من النوع الثاني يمكنهم الصيام في رمضان بأمان و دون مضاعفات و لله الحمد. بل أشارت بعضُ هذه الدراسات إلى أنَّ معدَّلَ سكَّر الدم قد تحسَّن لدى بعض المرضى، و هذا ما لم تثبته دراسات أخرى؛ فقد أُجريت دراسةٌ على 33 صائماً من النوع الثاني من مرض السكَّري، و قارنت نسبةَ السكَّر قبل رمضان و في أثنائه وبعدَه، فلم يلاحَظ أيُّ فرق، بل وُجِد أنَّ الصائمين تَحسَّن مستوى السكَّر لديهم.
- الصنف الثاني :
مرضى السكَّري من النوع الأوَّل ( المعتمد على الأنسولين )
و هذا النوعُ أقل شيوعاً من النوع الثاني، لكنَّه يحتاج إلى عناية أكبر. و قد أُجريت لأجله عدَّةُ دراسات علميَّة، و أزال بعضُها جزءاً من المخاوف التي كانت تساور الأطبَّاء، إذ تأكَّد أنَّ بعضَ المرضى ( و ليس كلهم ) يمكنهم الصيام في رمضان، لكن مع الاحتياط و الانتباه و أخذ الملاحظات التالية بعين الاعتبار :
- لا بدَّ من أن تكونَ الحالةُ الصحِّية للمريض مستقرَّةً قبل رمضان، و ألاَّ يكون السكَّري من النوع المتذبذب، الذي تُصاحبه حالاتُ انخفاض أو حموضة كيتونية متكرِّرة.
- يَشترط بعضُ الأطبَّاء، من خلال خبرتهم، ألاَّ تكونَ الجرعةُ التي يستخدمها المريضُ من الأنسولين عالية ( أكثر من 40 وحدة/الجرعة )، و هو رأيٌ وجيه، و لكنَّه ينطبق على كثير من مرضى السكَّري، و لذا فلا بدَّ من التأكُّد منه ببحوث علمية موثَّقة.
أشارت ثلاثُ دراسات إلى أنَّ النوعَ السريع من الأنسولين المسمَّى اللسبرو، يمكن أن يكونَ أنسبَ من الأنسولين العادي للصائمين. و هذا أمرٌ يقول به كثيرٌ من الأطبَّاء، و على كلِّ حال فلكلِّ مريض حالتُه الخاصَّة التي يحدِّدها الطبيب.
غذاء مريض السكري في رمضان
- يجب على مريض السكري عدم إهمال غذائه في رمضان، و أن يتناول ثلاث وجبات : واحدة عندَ الفطور، و أخرى عندَ السحور، و لا بدَّ من وجبة ثالثة بينهما.
- الإكثار من شرب الماء و السوائل غير المحلاَّة، و عدم شربها كلَّها دفعةً واحدة، بل تفريقها على الليل.
- يُفضَّل تأخيرُ وجبة السحور إلى السَّحَر قبلَ الصلاة.
- لا بأس أن يستمتعَ مريضُ السكَّري بحلويات رمضان و مقليَّاته، لكن بالقدر المعقول الذي يتناسب مع حالته الصحِّية، و كمِّية السُّعرات الحرارية المحدَّدة له في اليوم، و سيكون اختصاصيُّ التغذية خيرَ من يفيدك في الاختيار.
- و لا مانعَ أيضاً أن يفرحَ الصائم بوجبات يوم العيد، لكن عليه ألاَّ ينسى نفسَه، فيرتفع لديه السكَّر ارتفاعاً مفاجئاً يقلب عليه يومَ العيد في الطوارئ.
كيفيةُ استعمال دواء السكَّري في رمضان
هناك نقطتان أساسيَّتان لابدَّ من التنبُّه لهما :
الأولى : توقيت جرعات الدواء
يتَّفق الأطبَّاء على أنَّ جرعة الصباح قبلَ رمضان تصبح مع وجبة الإفطار، و تصبح جرعةُ المساء مع السحور.
الثانية : مقدار الجرعة
هناك رأيان للأطبَّاء، أحدهما - و هو رأي الأكثرية - ينصح بإنقاص الجرعة التي تكون في السحور إلى النصف، خوفاً من حصول هبوط شديد للسكَّر في أثناء النهار، و الرأيُ الآخر لا يرى حاجةً لذلك، بل تكون كمِّياتُ الدواء كما هي قبلَ رمضان، و الذي يتغيَّر هو توقيتها فقط. و قد أُجريت دراسةٌ في المغرب تميل نتائجها إلى تأكيد الرأي الثاني، و عموماً فنحن بحاجة إلى مزيد من الدراسات، و لكلِّ مريض وضعه و حالته الخاصَّة، فليناقشها مع طبيبه المعالج، و الله يلهمهما الصواب.
كانت الدراسةُ في المغرب على 542 مريضاً بالسكَّري من النوع الثاني ممَّن يستخدمون دواء الغليبينكلاميد glibenclamide، حيث قُسِّموا إلى ثلاث مجموعات؛ الأولى غير صائمة و تناولت الدواءَ كالمعتاد، و الثانيةُ صائمة و تناولت الدواءَ عندَ الإفطار و في الليل، و المجموعة الثالثة صائمة تناولت الدواءَ كالمجموعة الثانية لكن بإنقاص الجرعة بمقدار الربع؛ و كانت النتيجةُ أنَّه لم يكن هناك فرق في نسبة التحكُّم في السكَّر لدى المجموعات، و ذلك بمقارنة نتائج نسبة الفركتوزامين ( 400, 381, 376 على الترتيب ) و الهيموغلوبين السكَّري ( 14.7٪, 14٪, 13.6٪ ) و عدد نوبات انخفاض السكَّر ( 11, 14, 10 على الترتيب ).
تنبيهان هامان
هل تعرف الفترةَ الحرجة لمريض السكَّري الصائم ؟
إنَّها الفترةُ التي تسبق صلاةَ المغرب بساعة أو ساعتين، لأنَّ مستوى السكَّر فيها يكون متدنِّياً، لذلك تَجنَّب إجهادَ نفسك في هذه الفترة، و تجنَّب النومَ فيها، لأنَّ السكَّر قد ينـزل مستواه و أنت نائم لا تشعر.
يجب ألا ننسى أعراض انخفاض السكَّر : إحساس بالجوع مع دوخة و صُداع و تعرُّق و شعور بالضعف العام وا لعصبيَّة؛ فإذا شعر مريض السكري بهذا، فإنَّ له عذر أن يقطع صيامه و يتدارك نفسه بقالب من السكَّر يمصه أو كأس من العصير يشربه، و لو كان ذلك قبيلَ أذان المغرب، و سيؤجر.
المراجع :
صحة الـصائم للدكتور خالد الجابر