فمما يبدو أن كل العالم يعانى مثلنا من برد الشتاء، فقد نشرت جريدة التليجراف أن البريطانيين يعانون من أول موجة البرد فى هذا الموسم، وأقل درجات حرارة مع توقع التجميد، ويخشى خبراء الصحة تكرار ما حدث الشتاء الماضى، عندما ارتفع عدد الوفيات المرتبطة الطقس البارد بمقدار الثلث تقريبا.
حيث كان الشتاء الماضى الأكثر برودة منذ 50 عاما وشهد 31,000 حالة وفاة زائدة عن المعدل، معظمهم من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم من 75 سنة فأكثر، ووفقا لمكتب الإحصاء الوطنى، 40% من هذه الوفيات ترجع إلى نوبات قلبية، أو سكتات دماغية، وتقريبا ثلثهم من أمراض الجهاز التنفسى.
فلماذا إذًا البرد قاتل لكبار السن؟ يجيب على هذا التساؤل الدكتور أنجى بون، من الصحة العامة فى إنجلترا قائلا: "إن عددا قليلا من الناس يموت من البرد فعلا، أى انخفاض حرارة الجسم، حيث تنخفض درجة حرارة جسمه الداخلية والخارجية، إلا أن هذا غير شائع، أما ما يحدث فى الطقس البارد خارج وداخل المنزل، أنه يؤثر مباشرة على وظائف الأعضاء ".
ويفسر هذا قائلا: "انقباض الأوعية الدموية يؤدى لارتفاع ضغط الدم، وكذلك تقليل تدفقه للجلد، فى صالح تدفقه للأجهزة الحيوية، وبالتالى يتم فقدان السوائل من الدورة الدموية، ويصبح الدم أكثر لزوجة وأكثر عرضة لخطر التجلط".
" كما تؤثر البرودة على جهاز المناعة، حيث يقلل قدرة الشعب الهوائية العليا على تصفية الفيروسات، حيث تقول النظرية إن المسارات الهوائية فى البرد تصبح أكثر هشاشة مما يسهل حركة الميكروبات خلالها".
الأنفلونزا والتى طال موسمها بشكل غير طبيعى فى الشتاء الماضى، هى أحد أخطر القتلة لكبار السن، ففى الطقس البارد يقضى الناس أغلب وقتهم بالداخل، وبالتالى ينتشر المرض بسهولة أكبر، وهو يمكن أن يؤدى إلى مضاعفات تهدد الحياة مثل الالتهاب الرئوى والتهاب الشعب الهوائية.
الأكثر إثارة للدهشة، أن هناك ما يقرب من 30% زيادة من وفيات مرضى الخرف خلال فصل الشتاء، حيث يتحدث الدكتور لويس آلان من معهد الشيخوخة والصحة فى جامعة نيوكاسل: "إن الخرف غالبا ما يسبب اضطراب الجهاز العصبى اللا إرادى، والمسئول عن تنظيم درجة حرارة الجسم، وأيضا الذين يعانون من الخرف قد يكون أقل إدراكا للتغيرات فى درجة حرارة الجسم، أو أقل قدرة على طلب ملابس إضافية".
ولكن هكذا يصبح التعرض للبرد فقط يسرع بحدوث مشاكل كانت ستحدث عاجلا أو آجلا وستؤدى إلى الوفاة، يقول البروفيسور بول ويلكنسون متخصص علم الأوبئة البيئية فى كلية لندن للصحة والطب الاستوائى: "إن خطر البرد ليس فقط بين الأشخاص الذين يعانون من أمراض محددة، ولكننا كلما تقدمنا فى العمر تحدث لدينا تغيرات مرضية بلا أعراض واضحة مثل تصلب الشرايين، وأن الطقس البارد يؤذى الصحة بشكل غير مباشر، فهناك أيضا الحوادث مثل السقوط على الأرصفة الجليدية، وزيادة حالات التسمم بأول أكسيد الكربون، نتيجة استخدام أجهزة التدفئة، كما أن المنازل الرطبة تزيد احتمالية الاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية.
فى الواقع أوصت "هيئة الصحة العامة فى بريطانيا" بأن التدفئة وتحسين العزل الحرارى، يمكن منع الكثير من الوفيات فى إنجلترا، والتى لديها أعلى معدل وفيات فى فصل الشتاء، يزيد حتى عن البلدان الأكثر برودة مثل ألمانيا وفنلندا.
كما اتخذت سياسات طويلة الأجل أيضا، فينصح كبار السن للحصول على لقاح الأنفلونزا (مجانا لأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 65 وأكثر)، والحفاظ على التدفئة فى الأماكن المغلقة من 18 – 21 درجة سيليزية، تناول وجبات الطعام والمشروبات الساخنة، ارتداء ملابس ثقيلة، وأحذية ملائمة، وأيضا تحث الهيئة أولئك الشباب للاطمئنان على جيرانهم الذين يعيشون بمفردهم، خصوصا فى هذه الأيام الباردة.