كلّنا خُضنا هذه التجربة في أحد الأيام وكلّنا مررنا في قناة الولادة المعتم قبل أن نبصر النور، ولكن أياً منّا لا يذكر ولو تفصيلاً واحداً عن هذه التجربة الفريدة.
فما الذي شعرنا به في تلك الأثناء وما الذي يشعر به كلّ طفلٍ قبل الانضمام إلى الجنس البشري؟ إليكم التفاصيل:
في غضون المرحلة المبكرة من المخاض والتي تختبر خلالها الأم انقباضات خفيفة كلّ 20 دقيقة فكلّ 5 دقائق، يقوم الطفل بإدخال رأسه إلى قناة الولادة ليبدأ معه تمدّد عنق الرحم.
ومع تقدّم المخاض، يُبادر جسم الأم إلى إطلاق كميةٍ كبيرةٍ من هرمون الأوكسيتوسين، الأمر الذي يُهدّئ من روع الطفل. ولمّا ينفجر كيس الماء، تظهر عليه علامات التوتر، والأرجح أن تكون على شكل آثار براز داخل السائل الأمنيوسي.
وفي خلال المرحلة الناشطة أو الفعّالة من المخاض، تزيد انقباضات الأم قوةً وتتكرّر كل 3 إلى 4 دقائق، ولمدة لا تقلّ عن 90 ثانية. وعندئذٍ، يشعر الطفل بأنه مسحوق، لاسيما أثناء الانقباضات التي تضغط عليه وتُخفّف من كمية الأكسيجين التي يحصل عليها من الأوعية الدموية الموجودة في مشيمة أمه. إشارة إلى أنّ هذه الحالة لا تؤثّر كثيراً في وضع الطفل، حتى أنها لا تمنعه من الحصول على قيلولاته بين الإنقباضة والأخرى.
أما إذا قرّرت الأم الحصول على أحد أنواع الأدوية المخفّفة للألم، فستُصاب بالقليل من الدوخة والدوار. والأمر سيّان بالنسبة إلى طفلها.
ومع بداية المرحلة الإنتقالية، وازدياد وتيرة الانقباضات وتمدّد عنق الرحم أكثر فأكثر، قد تشعر الأم بالعياء أو القشعريرة. لكنّ طفلها لن يشعر بأي ألم لعدم اكتمال نمو الروابط العصبية التي يُمكن أن تُترجم مشاعره هذه وقت المحاض.
وفي غضون المرحلة الثانية من المخاض التي تصبّ فيها الأم جام تركيزها على دفع الطفل نزولاً في قناة الولادة، يُحاول هذا الأخير تنفيذ المطلوب منه أي عبور القناة بأمان وسلامة، يُساعده على ذلك استعداده الجسماني.
ومع حلول المرحلة الأخيرة أو الوضع، تشعر الأم بحرقان جراء عبور الطفل في قناتها والرحم. أما هو، فقد يشعر بالانحباس ويستعدّ للتنفس. فالضغط الذي يُصيبه عند عبوره قناة الولادة يُمهّد لحياته حارج الرحم، إذ يُخرج المخاط والسوائل من رئتيه ويمنعه من التنفس واستنشاق الدم والسوائل الموجودة في القناة، حتى لحظة الولادة والنفس الأول.
باختصار، من الصّعب تحديد طبيعة التجربة التي يخوضها الطفل أثناء الولادة، لكن الأكيد أنّ الألم الذي تشعر به الأم بعيد كل البعد عمّا يشعر به طفلها، والذي يكاد أن يقتصر على شعور الانضغاط والانحباس داخل موضعٍ ضيّق.