كشف تقرير جديد نُشر في القمة العالمية للحكومات كيف يمكن أن يساعد استخدام العلوم السلوكية حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على تحقيق العديد من أهدافها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية كجزء من خطط التحوُّل الوطنية.
وتفترض عملية صنع السياسات التقليدية أن الأفراد يتخذون دائماً قراراتهم من أجل الصالح العام، في حين أن الرؤى المستمدة من السلوكية تُعطيهم حوافز اجتماعية ونفسية وعاطفية للقيام بذلك.
أُعد التقرير بعنوان ”نحو اعتماد العلوم السلوكية في صنع السياسات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي: منهج مبتكر لصياغة سياسات حكومية فاعلة“، بالتعاون مع القمة العالمية للحكومات، و “Ideation Center” وهو المؤسسة الفكرية الرائدة في شركة استراتيجي& الشرق الأوسط، ويُركز على كيف يمكن للحكومات أن تُصمم تدخلات سلوكية لدعم أهداف السياسات الحكومية.
تُعالج التدخلات السلوكية “الانحيازات المعرفية”، وهي ميول طبيعية لدى بعض الأفراد لتجاهل القواعد والأنظمة والحوافز والعقوبات حتى عندما يتعارض ذلك مع مصالحهم الذاتية، فعلى سبيل المثال، قد يؤدي “الانحياز للتفاؤل” إلى استمرار الأفراد في استهلاك الوجبات السريعة حتى عندما يتوافر لديهم معلومات كافية تؤكد لهم آثارها الضارة على صحتهم.
وقد تتخذ التدخلات السلوكية شكل “توجيهات” وهي أدوات تؤثر على قرارات الأفراد دون فرض قيود أو تغيير حوافزهم، وبالتالي تحافظ على حريتهم في الاختيار.
وقال أفاد فادي عدرا، وهو شريك في استراتيجي&: “تباشر دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ برامج تحوُّل تاريخية تُبلور ملامح مستقبلها الجديد، وتدفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، غير أن هذه السياسات، وإن كانت طموحة بالتأكيد، فهي تعتمد إلى حد كبير على تغيير سلوكيات الأفراد، ولم تنجح دائماً أدوات السياسات التقليدية وحدها، مثل العقوبات والحوافز والضرائب وغيرها، في تغيير السلوكيات، ومن ثم أصبح استخدام العلوم السلوكية في صنع السياسات اتجاهاً سائداً في العديد من الحكومات على مدار العقد الماضي“.
ويحدد التقرير الأهداف الرئيسية في الخطط والرؤى الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي حيث يمكن للمنهج السلوكي إكمال عملية صنع السياسات التقليدية.
ويتضح ذلك بشكل خاص في عدة مجالات مثل تحقيق الاستدامة البيئية، وتحسين الصحة العامة، وضمان الامتثال الضريبي، وما إلى ذلك.
ترغب دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق الاستدامة البيئية، وهي تدرس الاستراتيجيات الرامية للحدّ من استهلاك الأسر للكهرباء والغاز والمياه وإشراك الأفراد في برامج إعادة التدوير الوطنية.
وقد ثبتت فاعلية التدخلات السلوكية في هذه السلوكيات في دول أخرى، فقد أسهمت المبادرة الوطنية للحفاظ على الطاقة بمصر في خفض الطلب على الكهرباء بنسبة 3.7% خلال شهرين من خلال إطلاق حملة إعلامية تنطوي على توجيهات سلوكية تربط معدلات الاستهلاك بالفخر الوطني وتقدم نصائح حول كفاءة استخدام الطاقة.
وفي الصين، من خلال الاستفادة من ضغط الأقران وربط الفرز الصحيح للنفايات بمعدل الذكاء المرتفع، نجحت وكالة حماية البيئة الصينية في إعادة تدوير النفايات بنسبة 89% في الفئات المحددة.
كما أن تحسين مستويات الصحة العامة يشكل محور جوهري في أجندات دول مجلس التعاون الخليجي، ويقدم التقرير أمثلة عن الكيفية التي يمكن للتدخلات السلوكية أن تغرس من خلالها عادات نمط الحياة الصحي لدى المواطنين، وذلك عبر تشجيعهم على تناول الغذاء الصحي وزيادة وتيرة ممارسة الرياضة. فعلى سبيل المثال، أطلق مجلس النهوض بالصحة في سنغافورة حملة ”التحدي الوطني للخطوات“ عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الشباب على المشي 10 آلاف خطوة يومياً مما أسهم في تغيير سلوك 8.8% من السكان غير الرياضيين.
وأضافت فيليبا كلاير، رئيسة قطاع الأعمال الحكومية والعامة بمجموعة WPP بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “يعتمد علم السلوكيات على الرؤى المستمدة من علم النفس وعلم الاجتماع لفهم الدوافع الكامنة وراء سلوكيات الأفراد، ويستكشف المعتقدات والتوجهات والمحفزات العاطفية التي قد تجعلهم يتجاهلون القواعد والأنظمة والحوافز والعقوبات حتى عندما تتعارض مع مصالحهم الذاتية، ثم يعمل على تصميم التدخلات التي يمكن أن تُوجِّه الأفراد نحو النتائج المرجوة، دون تقييد حريتهم في الاختيار”.
وأبرزت الممارسات العالمية في تنفيذ الرؤى المستمدة من العلوم السلوكية نجاح هذه المبادرات في جميع أنحاء العالم، وفي عام 2010، أصبحت حكومة المملكة المتحدة أول دولة تُشكِّل فريقاً مخصصاً لتطبيق الرؤى المستمدة من العلوم السلوكية في صنع السياسات الحكومية، ومنذ ذلك الحين، حذت دول أخرى كثيرة حذوها.
ويوصي التقرير بأن تُشكِّل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي فريق مركزي مخصص لبدء التدخلات السلوكية، ويتضمن توصيات أخرى بشأن هيكل هذا الفريق ونموذج حوكمته.