يدخل معالي وزير البنية التحتية الذكية والأتمتة مكتبه صباحاً، ويجلس ليفتح اللوحة الرقمية أمامه ليبدأ العمل، تضيء اللوحة ليجد مستشاره الذكي جاهزاً وينتظر قراره إزاء مخطط سياسات أعدّها سريعاً:
“مرحباً معالي الوزير.. لديّ 5 سياسات أحتاج منك قراراً بشأنها اليوم.. قمت بتحليلها وحساب الأثر المحتمل.. ولديك حرية الموافقة على السياسة أو رفضها”.
ويواصل المستشار الإلكتروني مهمّته بتوجيه الاقتراحات للوزير، طالباً الرد بالقبول أو الرفض حول بناء ممرات منشأة آلية التبريد لخفض درجات الحرارة في الأيام الحارة، ويرفق الاقتراح بمعطيين حول نسبة الخطر والأثر المتوقّع.
يضغط الوزير على زر الموافقة، فيرد المستشار رافضاً فكرة التبريد، ليس لأنها غير مفيدة، بل لأن الأمر كان الأمر يتطلب قراراً سريعاً تردد المسؤول بضع ثوان في اتخاذه، وهنا تكمن الفكرة في المستقبل، في عصر السرعة.
“معالي الوزير” الذي نتحدث عنه ليس في مكتبه.. وليس في أي مكان آخر، ببساطة إنه ليس موجوداً، لكن دولة الإمارات التي أخذت على عاتقها مسابقة الزمن، تقدّمه كوزير في “مجلس وزراء المستقبل”، ضمن منظومة الاستشراف العلمي وتحدي استثمار الذكاء الصناعي، في تصوّر تقدّمه “القمة العالمية للحكومات” المنعقدة في دبي بحضور أكثر من 4 آلاف من القادة والوزراء والأكاديميين ورواد القطاع الخاص العالمي والخبراء والإعلاميين. تصور يقول لنا: هذه إحدى صور المستقبل لشكل الحكومة وطريقة تعاطيها مع السياسات والتحدّيات، وسبل اجتراحها للحلول وأساليب التفاعل السريع مع الخطط المقدّمة من الأدمغة الذكية.
“مجلس وزراء المستقبل”، كما يقدّمه جناح خاص في متحف المستقبل، يضم سبعة وزراء لـ “الشؤون الفضائية”، “البنية التحتية الذكية”، “شؤون كوكب الأرض”، “قيادة المستقبل”، “الإيجابية والرفاه”، “أمن الموارد”، و”القدرات البشرية”.
من يتأمل الفكرة وتطبيقاتها الافتراضية، يستنتج أنها ليست ضرباً من الخيال، إنما هي رؤية مستقبلية تستند على الثقة في قدرات البشر وطموحهم.
تقترح اللوحة الرقمية لـ “وزارة الإيجابية والرفاه” إنشاء مدينة صديقة للمشاة وإطلاق مبادرات جديدة في هذا المجال، ويأخذ زائر المتحف فرصة تقمص دور الوزير المستقبلي بالإجابة على الاقتراح.
ليس الأمر مجرد خيال واسع، بل استشراف لآفاق الطموح وتحويل الممكن العلمي إلى إنجاز واقعي، لأن دولة الإمارات تحب أن تعيش المستقبل.. تحضره إلى منصّة الحاضر ليرى الناس أنفسهم في مرآته.
لقد اعتادت شعوب ودول العالم على بناء المتاحف للاحتفاظ بمعالم الماضي، فيما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، “متحف المستقبل” ليكرّس رؤيته الشاملة، فالمتحف الذي يرتبط مفهومه بالآثار، تحول برؤية سموّه ليحلق في فضاء المستقبل.
وهكذا يأتي متحف المستقبل كأنه قادم من خارج الكوكب، ليقول إن الماضي يستحق الاحترام واحتواءه في “متحف” نطل منه على تجاربنا ونبني على إيجابياتها، أما المستقبل فإنه غير مسموح له أن يبقى حلماً وخيالاً، وقد آن الأوان ليتحوّل إلى فكرة راهنة تترجمها أدوات الذكاء الصناعي في “متحف” نطل منه على ما يجب أن يكون عليه المستقبل.
ولأن الحكومات اختراع بشري فرضته حاجة المجتمعات لمنظومة تمثّل الارادة الجمعية وتترجمها إلى سياسات، وما زالت هذه الحاجة قائمة، فإن ثورة العلم لن تستثني هذه المنظومة التمثيلية والقيادية. ستبقى الحاجة قائمة للحكومات، لكن الأداء سيتغيّر مستفيداً مما يجود به العلم ويحمله الذكاء الصناعي على جناح السرعة.
من هنا، فإن نائب رئيس الدولة يصّف “متحف المستقبل” باعتباره منصة مثالية وعالمية لاختبار الأفكار وتطوير الحلول التقنية وحاضنة للابتكار ومنصة عالمية تحدد أبرز الاتجاهات المستقبلية في المجالات العلمية والتقنية، ومساهماً رئيساً في صياغة توجّهات استشرافية تسهم في بلورة سياسات واستراتيجيات يمكن من خلالها لحكومات العالم الاستفادة المثلى من تقنيات المستقبل وما تتيحه من إمكانيات.
رؤية تستند إلى الطموح المشروع وتقوم على استراتيجية وضعتها دولة الإمارات لصناعة المستقبل، جوهرها إلهام أفراد المجتمع لابتكار حلول المستقبل. إنها رؤية تحوّل التحديات إلى فرص والحلم إلى واقع.
وكما قال سموه، فإن دولة الإمارات سباّقة دائماً في وضع الرؤى والتصورات واستكشاف الفرص الواعدة واستلهام الأفكار والسبل المثلى لصناعة مستقبل الأجيال القادمة وتعزيز مكانة دولة الإمارات كمنارة نور وأمل بحياة لا مكان فيها لليأس.