طورت مجموعة من علماء جامعة ديوك Duke University قبل خمس سنوات كاميرا جيجابيكسل رائدة لتوفير مراقبة طويلة المدى للبحرية الأمريكية بدعم من وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، بحيث يتم استخدام هذه التكنولوجيا، التي لم تحصل عليها الحكومة الأمريكية، من قبل الشرطة الصينية للتعرف على الأشخاص من مسافات بعيدة، وذلك بعد انتقال الباحث في جامعة ديوك ديفيد برادي David Brady إلى الصين في عام 2016 لبدء أعماله التجارية.
وساعدت عوامل عديدة مثل سهولة الوصول إلى تمويل للشركات الناشئة وسلاسل توريد المصانع والطلب المتزايد على الكاميرات عالية التقنية على جذب ديفيد برادي، الذي فشل مشروعه الأصلي في الولايات المتحدة في كسب الداعمين الماليين والزبائن، وفي غضون عامين من الانتقال إلى الصين، حصلت شركته على التمويل الكافي لبناء أول كاميرا تجارية لها.
وتستطيع كاميرا Mantis، المطورة من قبل ديفيد برادي وتعتبر واحدة من أقوى الكاميرات في العالم، بفضل العدسات التسع عشرة التقاط المدن والأشخاص في الصورة الكبيرة وثم الانتقال إلى تفاصيل غير عادية، بحيث تعمل هذه الأداة الآن على تعزيز حالة المراقبة الصينية عبر ثبيتها واستخدامها ضمن عدة مدن مثل بكين وكونشان.
وقدمت عملية انتقال المشروع إلى الشرق نظرة ثاقبة حول كيفية ظهور الصين باعتبارها لاعبًا عالميًا في التقنيات الرائدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، حيث تستخدم الصين بشكل متزايد إمكانياتها المالية لاكتساب المواهب والعقول من الخارج، إذ منذ ما يقرب من خمس سنوات مضت، ارتفع تمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي ليصل إلى 2.5 مليار دولار للعام الماضي، كما ضخت حكومات الولايات الصينية والحكومات المحلية الأموال في صناديق الاستثمار الخاصة.
ويشعر المسؤولون في واشنطن بالقلق من طموحات الصين في أن تصبح رائدة عالمية في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، متخطية بذلك الولايات المتحدة، مما دفع الشهر الماضي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى زيادة الأموال الفيدرالية للاحتفاظ بالتفوق الأمريكي في هذه التكنولوجيا.
واقترحت وزارة الخزانة الأمريكية منع الشركات الصينية من الحصول على تكنولوجيا أمريكية متقدمة، باستخدام قوانين مصممة للتعامل مع حالات الطوارئ الأمنية الوطنية، في حين دعا بعض أعضاء الكونغرس إلى فرض ضوابط صارمة على صادرات الشركات الأمريكية التي قد تعمد الشرطة الصينية وغيرها من وكالات الأمن إلى استخدام التكنولوجيا التي تطورها.
وتزدهر في الوقت الحالي الشركات الناشئة الصينية العاملة في مجال المراقبة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، حيث تنفق بكين 30 مليار دولار سنوياً على مشاريع السلامة العامة، بما في ذلك شبكة واسعة من الكاميرات التي تهدف إلى تغطية الساحات العامة ومحطات الطرق الرئيسية ومحطات القطارات، ولإشباع هذا الطلب، تم تطوير هذه الكاميرا المزودة بمعالجات قادرة على تجميع الصور ضمن إطار بدقة 100 ميجابيكسل.
ويمكن للمستخدمين تكبير الصور الورادة من هذه الكاميرا لإظهار تفاصيل استثنائية، حيث ترتبط الكاميرات بتقنية التعرف على الوجه التي تمكن الشرطة من التعرف على الأشخاص، إذ تستخدم تقنيات التعرف على الوجه كجزء من شبكة المراقبة التي تتعقب المجرمين والمواطنين، وتم الآن تركيب كاميرات Aqueti في محيط ساحة تيانانمن في بكين، إلى جانب استخدامها لرصد الشوارع الرئيسية في مدينة كونشان بالقرب من شنغهاي، مع انتشارها ضمن مدن أخرى.
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
وساعد وليام وانج، شريك ديفيد برادي الصيني في Aqueti على الاستثمار المبكر من قبل مسؤول حكومي سابق في حكومة شنغهاي، والذي يدير الآن صندوق رأس المال الاستثماري، وكان هذا المستثمر يبحث عن تكنولوجيات يمكنه نقلها إلى الصين، بحيث استثمر ما يقرب من 5 ملايين دولار في Aqueti.
وتمكنت هذه الكاميرا من الحصول على حوالي 28 مليون دولار ضمن جولتين من جمع التبرعات، وذلك على عكس ما حصل في الولايات المتحدة حيث حاول ديفيد جمع مبلغ 25 ألف دولار من خلال موقع Kickstarter للتمويل الجماعي في عام 2013، وفشل في ذلك.
وتتنافس كل من الولايات المتحدة والصين لتمويل المشاريع الناشئة في مجال التقنية الذكاء الاصطناعي، ولجأ ديفيد برادي إلى طرق أقل تقليدية لتأمين الاستثمار، وبدلاً من إنشاء مشروع مشترك، قام بتجميع أعماله التجارية الأمريكية الأصلية في Aqueti China وحصل على ترخيص لاستخدام تكنولوجيا الكاميرا، التي تملك جامعة Duke براءة اختراعها.
وقال ديفيد برادي: “هذا مشروع صيني بطبيعة الحال، وبالإضافة إلى التمويل، فإن سلسلة التوريد لتصنيع هذه الكاميرا موجودة في الصين، وحتى إذا جمعت الأموال في الولايات المتحدة، فأنت تنفق المال بشكل موحد في الصين”، في حين قال متحدث باسم جامعة ديوك إنها حصلت على تصريح من وزارة الخارجية بأن التكنولوجيا قابلة للتصدير كتكنولوجيا تجارية.
وأخبرت الجامعة ديفيد برادي أنه لا يمكنه التقدم بطلب للحصول على أي تمويل جديد من وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة في وزارة الدفاع، المعروفة باسم داربا Darpa، التي قدمت التمويل للنموذج الأولي، وتخطط الشركة التي توظف 50 شخصًا في الصين إلى توسيع نطاق التصنيع ضمن كاميراتها، والتي تكلف حوالي 15 ألف دولار لكل منها.
وأوضحت وكالة Darpa أن تمويلها للبحوث المتعلقة بهذه الكاميرا قد انتهى في شهر مارس/آذار 2015، وأن جهود Aqueti لتطوير التكنولوجيا للاستخدام التجاري كانت مستقلة، وما تزال الشركة الصينية الناشئة تواجه مهمة تأمين ما يكفي من المشترين لجعلها رابحة في سوق تهيمن عليه الشركات العملاقة الصينية، والتي ترتبط الكثير منها بعلاقات رسمية مع الحكومة الصينية.
وقال ديفيد برادي، الذي لا يزال أكبر مساهم في Aqueti، إنه لا يشعر بأي مشكلة حيال مساعدة نظام المراقبة الصيني، الذي يزعم منتقدوه أنه يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، وأضاف أن الحكومة لا تحتاج إلى مساعدة التكنولوجيا لتكون قمعية.