بقلم محمد أمين النائب الأول للرئيس في دل إي إم سي الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا
لا يمكن القول إن القطاع الصحي محصن ضد حراك تقنيات التغيير، التي تعمل على إحداث تحوّل جوهري في رعاية المرضى، عبر تمكين التطبيب الدقيق والمساهمة في تحقيق نتائج علاجية أفضل لذلك فإن ظهور التقنيات الناشئة مثل الروبوتات والذكاء الإصطناعي وتعلم الآلات والحوسبة السحابية والواقعين الافتراضي والمعزز، من شأنه أن يعمل على إعادة تشكيل الطرق التي يتم بها تبادل المعلومات الطبية ومعالجة الأمراض واكتشاف أساليب مختلفة ومتطورة للعلاج، وما من شك في أنه أصبح بمقدور مقدمي خدمات الرعاية الصحية الآن، عبر احتضان التقنيات التحوّلية، اغتنام فرص جديدة تماماً لاستخدام البيانات في تقديم رعاية طبية ذات طابع شخصي وزيادة التفاعل مع المرضى وتحسين نتائج العلاج.
ومن المنتظر بحلول العام 2019، أن تجمع 60 في المئة من الأجهزة والتطبيقات الخاصة بالرعاية الصحية البيانات المتعلقة بموقع المريض وبيانات الأجهزة الطبية، لحظة بلحظة، وتبدأ في رصد الأنماط الصحية والكشف عنها وتحليلها، فقد أضحينا نتجه نحو مستقبل تصبح فيه البيانات وتحليلها مكسباً أساسياً لأي منشأة في قطاع الرعاية الصحية، ومع ذلك، نجد اليوم أن 81 في المئة من قادة القطاع في العالم يقولون إنهم ما زالوا غير قادرين على التصرف فوراً باستخدام هذه المعلومات.
ونجد في هذا السياق، أن أجندة الابتكار في دول مجلس التعاون الخليجي تقودها الحكومات التي منحت الرعاية الصحية الأولوية ودعمتها باستثمارات واسعة في تطوير المستشفيات وبناء أنظمة بمعايير رفيعة المستوى لإدارة منشآت الرعاية الصحية، وتحتل دولة الإمارات موقع الصدارة في هذه التطورات في إطار رؤية الدولة للعام 2021، والتي تهدف إلى إنشاء نظام رعاية صحية عالمي المستوى يقوم ويعتمد على التقنيات المتقدمة، كذلك تهدف المملكة العربية السعودية إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الإنفاق على الرعاية الصحية إلى 35 بالمئة بحلول العام 2020، وفق ما هو مبيَّن في وثيقة برنامج التحوّل الوطني السعودي 2020.
إن القيادات في بلدان الشرق الأوسط تدرك أهمية التحوّل التقني باعتباره قاعدة الانطلاق الرئيسية لتحقيق أهداف الرعاية الصحية التي تنطوي عليها استراتيجياتها التنموية، ولذلك كان إحداث التقدّم المنشود في القطاع الصحي، إبّان الحقبة الرقمية هذه، ينطوي على نهج تقني شامل يتضمّن التطبيقات والبيانات والبنية التحتية والأمن، بدءاً من نقطة تقديم الرعاية الصحية ووصولاً إلى الأنظمة السحابية التي تخزن فيها البيانات وتُعالج.
وفي هذا الإطار، تساعد “دل إي إم سي” المنشآت الطبية في المنطقة على تحقيق التقدم في الحقبة الرقمية، وإحداث التحوّل في طريقة عملها حتى تتمكّن بدورها من إحداث التغيّر المرجوّ في حياة الأفراد الذين تخدمهم، ويتميز هذا التحول بأربع خطوات رئيسية تقود نحو تحقيق النجاح في مجال الرعاية الصحية.
التحول التقني في قطاع الرعاية الصحية
ينبغي على منشآت الخدمات الطبية أن تتجاوب بسرعة مع حالات الطوارئ، كما أن عليها الاهتمام بالحالات الفردية، وهو ما يتطلب القدرة على تحقيق أداء عالٍ وثابت من خلال الكفاءة التشغيلية والعمليات المؤتمتة بأحدث التقنيات.
إن الابتكارات الحديثة في مجال الرعاية الصحية اليوم من غير الممكن تشغيلها في البنية التحتية القديمة، فالتدفق الهائل للبيانات يتطلب من الأنظمة التقنية في القطاع الصحي أن تتكيف بشكل أسرع وأن تستخدم بنية تحتية تقنية حديثة تلبي المتطلبات المستمرة مثل تحليل البيانات في الموقع والجاهزية الأمنية والامتثال التنظيمي واستمرارية الأعمال.
ومن المتوقع أن تتيح المنشآت الطبية قدرات جديدة ومحسنة في الرعاية الصحية المقدمة للمرضى، بالتوازي مع التقليل من التكلفة، وتتيح الحوسبة السحابية بنية تحتية تقنية مناسبة للشركات لتخفيض تكاليف التشغيل مع تلبية احتياجات المرضى للحصول على خدمات الرعاية الصحية عالية الجودة.
كذلك فإنها تتيح المرونة وقابلية التطوّر، وتقدّم منبراً للتعاون الفوري وتبادل المعلومات لحظة بلحظة، وتتضاعف إثْر ذلك كله منافعُ المنصات السحابية نظراً للزيادة الكبيرة في رقمنة السجلات الطبية وانتشار المُخرَجات الرقمية من أجهزة الفحص والمراقبة الطبية.
الصحة المتصلة
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
إن الصحة المتصلة تتجاوز مجرد أجهزة يمكن ارتداؤها أو استشارة طبية يمكن الحصول عليها عن بُعد، فهي عبارة عن شبكة من الاتصالات الذكية والمعلومات القابلة للتنفيذ والتي يتم مشاركتها لتحسين النتائج الطبية للمرضى، ويتم تدعيم الصحة المتصلة بنسيج تقني متين يربط بين جميع الأفراد والعمليات والأجهزة ويجعلها قادرة على العمل سوية من أجل تحسين كفاءة الموظفين وتعزيز التفاعل مع المرضى.
ووفقاً لتقرير صادر عن MarketResearch.com، من المتوقع أن تصل قيمة إنترنت الأشياء في قطاع الرعاية الصحية إلى 117 مليار دولار بحلول العام 2020، في حين تستمر حزمة الأجهزة الطبية المحمولة والتطبيقات والخدمات الصحية المتنقلة، في رسم ملامح مبتكرة للطريقة التي يتم بها تقديم الرعاية الصحية، بنمو من المقدّر أن يصل بها إلى 59.15 مليار دولار بحلول العام 2020.
ويتيح هذا الأمر فرصة سانحة لتنفيذ أجهزة مبتكرة ومتخصصة تربط بشكل آمن مقدمي الرعاية الصحية وفرق العمل الطبية بمرضاهم، وبالمعلومات اللازمة لضمان تحقيق نتائج طبية أفضل، وبوسع القطاع أن يتمتع ببدائل لزيارات المواقع من خلال حلول الرعاية الصحية الافتراضية، التي تتاح عبر إنشاء بيئات عمل رقمية متقدمة.
العلاجات الطبية الدقيقة
إن اتباع نهج استراتيجي خاص بالاستفادة من البيانات يمكن أن يؤدي إلى إطلاق العنان لعالم من الإمكانيات الواسعة، ومع استمرار النمو في البيانات البحثية السريرية، يجب أن تكون أنظمة تقنية المعلومات جاهزة لتوسيع نطاق التعامل مع البيانات وتخزينها وتوزيعها وتحليلها، مع ضمان الالتزام باللوائح التنظيمية، وفي هذا السياق، نجد أن تحديد التوجّهات والأنماط من خلال تحليل التدفقات المستمرة لبيانات المرضى بوسعه تحسين النتائج تحسيناً كبيراً.
ومن خلال الحلول المتطورة، مثل الحوسبة عالية الأداء والخوادم عالية القدرة والتحليلات الصحية التنبؤية، مثل ما يُعرف بأسلوب “بحيرة البيانات” وأدوات تحليل البيانات، يصبح مقدمو الرعاية الصحية مجهزين تجهيزاً جيداً لحل أكثر التحديات الطبية تعقيداً، وإجراء أبحاث طبية متطورة، وبناء رؤى جديدة، وصولاً في نهاية المطاف إلى تعزيز الابتكار في مجال الرعاية الصحية.
التحوّل في المشهد الأمني
في السياق نفسه، نجد أن عالم إنترنت الأشياء، أو إنترنت الأشياء الطبية، المتسم بالجرأة، قد بدأ يتبلور ويأخذ شكله في مجال الرعاية الصحية، فارضاً تحدياته الخاصة على القطاع، وحتى وقت قريب، كانت الأجهزة الطبية تعمل بمعزل عن أية شبكة حاسوبية، باعثة بياناتها إلى الشاشة المتصلة بها فقط، أما الآن ومع وجود شبكة متنامية تربط بين الأجهزة والأنظمة عبر شبكات متنوعة، ومع البيانات المنقولة عبر الإنترنت، نجد أن قطاع الرعاية الصحية بأكمله، من مقدمي خدمات ومرضى وهيئات حكومية، قد بات بحاجة إلى التعامل مع المشهد دائم التغيّر للتهديدات والاعتداءات الإلكترونية.
إن بيانات الرعاية الصحية ما زالت تمثل هدفاً حيوياً للهجمات الإلكترونية، بل إن زيادة استهداف أنظمة الرعاية الصحية التقنية ساعدت على صياغة مصطلح أصبح يُطلق على هذه الهجمات الإلكترونية، وهو “الاختطاف الطبي”، وتظلّ الأولوية الأولى لجميع مقدمي الرعاية الصحية متمثلة في تقييم المخاطر وحالة التدابير الأمنية الحالية لدى الأفراد والعمليات والتقنيات، تقييماً موضوعياً.
ويحتاج مقدمو الخدمات بعد ذلك إلى امتلاك الأدوات المناسبة لضمان سلامة المرضى، وحمايتهم من هجمات طلب الفدية، أو من التهديدات المستمرة المتقدمة، أو من التهديدات الداخلية، وضمان آليات محسنة لكشف التهديدات، من أجل تحسين كفاءة النسخ الاحتياطي للبيانات وتقليل الفترات اللازمة للتعافي واسترداد البيانات السريرية والمؤسسية.
إن الوعود التي تقدمها “الصحة المتصلة” تتمثل بمستويات تواصل وتعاون أعلى، تتسم بالبساطة والكفاءة، بجانب القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة تستند على معلومات أفضل يتم تقديمها في الوقت المناسب وفي السياق الصحيح.
لقد أضحت المنافع واضحة، ولكن التعقيد والحجم يمكن أن يكونا هائلين، لذا فمن المؤكد أن اتخاذ إجراء هادف لتقليل المخاطر بدرجة كبيرة يظلّ أفضل من أن تعلَق المنشآت في ما يمكن تسميته “عجز التحليل المؤسسي”، وهذا هو السبب الذي يجعل الشريك التقني المناسب قادراً على أن يُحدث الفرق في بناء منظومة عمل تكفل تمهيد السبل لإحراز النجاح.