قرر مجلس مدينة سياتل الأسبوع الماضي التراجع عن خطته لفرض ضريبة قدرها 275 دولار لكل موظف ضمن الشركات المحلية، وهو الإجراء الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع الشهر الماضي كوسيلة لمعالجة أزمة تشرد المدينة والقدرة على تحمل تكاليف السكن، وجاء التراجع بعد أن أحجمت العديد من الشركات التجارية في المدينة عن دفع تلك الضريبة، بما في ذلك أمازون، ولم يكن أحد بحاجة إلى تذكير سياتل بأن شركة أمازون تبحث علنًا عن مدينة ثانية لإقامة مركزها الرئيسي، لذا رضخ مجلس المدينة.
وأعلن رام إيمانويل Rahm Emanuel، عمدة شيكاغو أنه طلب من شركة Boring، وهي شركة أخرى من شركات إيلون ماسك Elon Musk، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة صناعة السيارات الكهربائية الفاخرة تيسلا Tesla ومؤسس شركة الفضاء سبيس إكس SpaceX، بناء نفق نقل عالي السرعة من مطار O’Hare الدولي إلى وسط المدينة، وقالت Boring إنها ستدفع بالكامل تكاليف إنشاء النفق، دون استخدام أموال عامة، ولكن من المرجح أيضًا أن يكون لديها عقد إيجار طويل الأجل للمشروع، حيث تستحوذ على جميع الإيرادات من النظام الخاص.
ولا بد أنك سمعت أيضًا عن خدمات مشاركة الدراجات الكهربائية المسماة سكوتر، والتي انتشرت في الربيع الماضي بشكل كبير ضمن بعض المدن الأمريكية، حيث قامت الشركات الناشئة التي تدير مثل هذه الخدمات بإجراء رهان جريئ تمثل بنشرها في الوقت الحالي والقلق بشأن الأمور القانونية في وقت لاحق، ويبدو أن الرهان يؤتي ثماره، حيث يخطط المسؤولون في مدينة سان فرانسيسكو وسانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا ومدينة أوستن بولاية تكساس لإضفاء الصفة القانونية عليها.
وتقوم شركة بيرد Bird، وهي الشركة الناشئة الأكثر طموحاً بين شركات السكوتر، بجمع الأموال الآن من خلال تقييم بقيمة ملياري دولار، وذلك بعد مرور أسابيع فقط من عملية جمع أموال من خلال تقييم بقيمة مليار دولار.
كما أعلنت شركة دومينوز بيتزا Domino’s Pizza عن خطة لإصلاح وتزفيت الطرق الأمريكية بالتعاون مع البلديات، وكجزء من البرنامج، ستقوم دومينوز بيتزا، والتي تعمل في الوقت الحالي على إبراز نفسها كشركة تكنولوجية، بطبع شعارها على الطريق لأنها أصبحت تحل محل الدولة وتدفع مقابل إصلاح الطرقات والأرصفة مما يمنحها خيار طباعة شعارها.
ويبدو أن المدن الأمريكية تحولت في مشهد غير سار للغاية إلى مدن مظلومة من الشركات التي تستخدم ثرواتها للاستثمار في التجارة والصناعة من أجل الربح وفقًا لمبادء الرأسمالية، إذ تعاني المدن في جميع أنحاء البلاد من زيادة في تكاليف الإسكان وتخلف في أنظمة النقل وبنية تحتية متداعية، ومع ذلك، هناك القليل من الدعم من السلطات الفيدرالية أو سلطات الولاية، إلا إن الجهود المبذولة لجمع الأموال للمشاريع المحلية محاصرة من قبل المحافظين، في حين أن التدابير الرامية إلى بناء المزيد من المساكن يتم إيقافها.
وتسير الشركات التقنية ضمن هذا الفراغ بخطى ثابتة تبعًا للعوائد المالية التي يملكونها والوظائف والوعود بالابتكار خارج الصندوق التي يقدمونها، بحيث تحصل الشركات على مجال واسع في تحديد مستقبل المدن، فهم يتحكمون في المزيد من الخدمات الرئيسية ويفوزون بمعارك مهمة مع حكومات مدن لا تقهر، ويجد المسؤولون المحليون أنفسهم تحت رحمة التكنولوجيا، فهم لا يستطيعون العيش بدون أموال التكنولوجيا، حتى لو كان للشركات التقنية مصالح في طمس كل الأولويات المدنية الأخرى.
وأصبحت شركات التكنولوجيا السلطة المحلية الأكثر قوة في أمريكا، وذلك على الرغم من التقنيين يشعرون بالازدراء اتجاه السياسيين، لكن الكثير من المؤثرين في صناعة التكنولوجيا يرون المدن الآن على أنها حجز الأساس المثالي للنقلات النوعية المخطط لها في مجالات مثل النقل والخدمات اللوجستية والإسكان، لذا تعلمت صناعة التكنولوجيا كيف تجذب وتحارب ضمن قاعات مجالس المدينة، وبدأوا في الفوز في كل مكان.
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
ويعد أحد الأسباب الذي يجعل شركات التكنولوجيا قادرة على إبداء رأي أكبر في القضايا المحلية هو أن العديد من المؤسسات المحلية الأخرى، من الشركات الصغيرة إلى الصحف المحلية، فقدت الكثير من نفوذها، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الإنترنت.
ويشير دانيال هوبكنز Daniel Hopkins، عالم السياسة في جامعة بنسلفانيا في كتابه الجديد “الولايات المتحدة المتزايدة” إلى أن شبكات التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام الرقمية خلقت نظامًا إيكولوجيًا إعلاميًا مهووسًا بشكل متزايد بالقضايا الوطنية ونظام التمويل السياسي الذي يسمح للتبرعات بالتدفق على المستوى الوطني، ويتم تهميش القضايا المحلية نتيجة لذلك.
وأدى سقوط وسائل الإعلام المحلية إلى تقويض الاهتمام بالقضايا المحلية، حيث بدأت شركات التكنولوجيا بملاحظة أن منصاتها تتيح لها الوصول المباشر إلى أدوات النفوذ المحلية الجديدة، وهو ما يتجلى بشكل قوي من خلال شركة خدمات الركوب أوبر Uber، حيث تمكن ترافيس كالانيك Travis Kalanick، مؤسس الشركة والرئيس التنفيذي المخلوع الآن، من دخول عشرات المدن دون طلب إذن، مع صعوبة إخراجها مرة أخرى.
وعمدت أوبر إلى محاربة نقابات سائقي سيارات الأجرة المحلية التي قضت عقودًا في بناء قاعدتها من العملاء، وحاولت أوبر التعويض عن الدعم السياسي بالقاعدة الشعبية، إذ كانت الشركة، من خلال التطبيق، على اتصال مباشر بآلاف السائقين الذين كانوا يكسبون عيشهم من خدماتها، واستطاعت الشركة عندما حاول المنظمون إغلاقها تحويل السائقين إلى مدافعين عنها واستخدمت ضغوط سياسية على مستوى القاعدة لضمان استمرار وجودها.
وعملت هذه الخطة بشكل جيد، إذ حاول بيل دي بلاسيو Bill de Blasio، عمدة مدينة نيويورك في عام 2015 إيقاف نمو أوبر، وحصل على دعم معظم مجلس المدينة، وبدت معركة أوبر مستحيلة، لكنها استعانت بقاعدتها الشعبية، حيث بدأ الحديث عن أنه في حال خروجها من العمل فإن السائقين السود واللاتينيين سوف يفقدون فرص العمل، وسوف يرزح الزبائن تحت رحمة أصحاب سيارات الأجرة، وهو ما ساعدها على الفوز في المعركة.
وتدور الأحاديث حاليًا حول مدى إيجابية ما يحصل، إذ إن المدن تغرق بالروتين الحكومي، والمسؤولون المحليون يكرهون التغيير بطبيعة الحال، وتقوم شركات التكنولوجيا بما يجب على الشركات المبتكرة فعله بالضبط، لكن الشركات التقنية أصبحت تشعر على المستوى المحلي بأنها لا تقهر، إذ بمجرد التهديد بوقف النمو، يمكن لشركات مثل أمازون أن تجعل عدة مدن أمريكية تهتز.
كما أصبح بيل دي بلاسيو عمدة مدينة نيويورك، والذي كان ينظر إليه في السابق على أنه من منتقدي التكنولوجيا، يميل إلى صالح أمازون مع محاولته اجتذاب جيف بيزوس لافتتاح المقر الثاني للشركة في نيويورك.
ويبدو أن الزمن الذي كانت فيه حكومة الولايات المتحدة تدفع تكاليف البنية التحتية وكان للشعب الأمريكي رأي في الخدمات المحلية الهامة قد انتهى مع هيمنة شركات التكنولوجيا على المدن الأمريكية، بحيث تتحكم شركة أوبر بالطرقات، في حين تتحكم شركة بيرد بالأرصفة، وتشق شركة إيلون ماسك الأنفاق على حسابها الخاص، وتصلح دومينوز بيتزا الطرقات الأمريكية.