في وقت سابق من هذا العام، فاجأت مجموعة من مهندسي البرمجيات المؤثرين في قسم خدمات جوجل السحابية Google Cloud رؤسائهم من خلال رفض العمل على ميزة أمان متقدمة تُعرف باسم Air Gap، التي من شأنها أن تكون المفتاح لتطوير تكوينات السحابة الآمنة المطلوبة من قبل الوكالات الحكومية، كما ستساعد جوجل على الفوز بعقود عسكرية حساسة، حسبما أفاد تقرير صحفية بلومبرغ.
كان المبرمجين مقتنعين بأن الشركة سستخدم قوتها التكنولوجية لمساعدة الحكومة على شن الحرب، وفقا لأربعة موظفين حاليين وسابقين. وبعد سماع اعتراضات المهندسين قال أورس هولزل كبير المسؤولين التنفيذيين في شركة جوجل: “إنه سيتم تأجيل العمل على ميزة Air Gap حاليًا”.
في الفترة الأخيرة زادت حركات التمرد داخل جوجل مما أثار مقاومة متزايدة بين الموظفين من خلال نظرة قاتمة على العقود الحكومية التي تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات. أصبح المهندسون المعترضون يُعرفون باسم “مجموعة التسعة”، ويقول الموظفون الحاليون والسابقون إن اعتراض المهندسين كان عاملاً حافزًا للاحتجاجات الأكبر التي هزت فرع الشركة بماونتن فيو وفي النهاية رضخت شركة جوجل لطلبات موظفيها فيما يخص مشاركتها في تطوير مشروع مافن Project Maven التابع لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون Pentagon، وأعلنت عدم تجديد العقد مرة تانية.
تُعد النزاعات الداخلية أمرًا شائعًا في شركة ألفابت الشركة الأم لجوجل، مما يمنح الموظفين مساحة واسعة للتعبير عن المظالم. لكن المعارضة تتزايد (كما هو الحال في شركات التكنولوجيا الأخرى). ففي الشهر الماضي وفي خطوة غير اعتيادية للغاية اقترح موظف جوجل أن ترتبط التعويضات بالجهود المبذولة لجعل الشركة أكثر تنوعًا وشمولًا. وقد تم التصويت على هذا الاقتراح بسهولة من قبل المساهمين، ولكن في حالة مقاطعة المهندسين العمل على المشروع سيعوق ذلك بالفعل قدرة جوجل على المنافسة.
تتطلب العقود الفيدرالية الكبيرة في كثير من الأحيان الحصول على شهادات للتعامل مع البيانات الحساسة، فبدون إجراءات معينة بما في ذلك تكنولوجيا Air Gap، قد تكافح جوجل للفوز بحصة من مشاريع وزارة الدفاع الأمريكية JEDI والتي تتعلق بالبنية التحتية المشتركة للوزارة، وهي عبارة عن مبادرة مدتها 10 سنوات وتبلغ قيمتها 10 مليار دولار، وتهدف إلى نقل الكثير من بيانات الجيش الأمريكي إلى مقدم خدمة سحابية تجاري.
من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت جوجل قد تخلت عن تقنية Air Gap أم لا تزال تخطط لبنائها بالرغم من اعتراضات الموظفين. وبصفة عامة فإن بناء هذه الميزة ليس صعبًا للغاية من الناحية الفنية لذلك يمكن لشركة جوجل العثور بسهولة على مهندسين آخرين للقيام بهذا العمل. ولكن هناك أكثر من 4 آلاف موظف من موظفي الشركة وقعوا على عريضة مفادها أنه ينبغي على جوجل التخلي عن جميع مشاريع وزارة الدفاع وخاصة مشروع مافن Project Maven، وهذا الرقم يعادل 5% من مجموع العاملين بدوام كامل بالشركة.
قللت جوجل داخليًا من تأثير عقد وزارة الدفاع إلى الحد الأدنى، وتحدثت الشركة إلى الموظفين عدة مرات حول الموضوع، حيث قالت ديان غرين Diane Greene، الرئيسة التنفيذية لخدمات جوجل السحابية Google Cloud لموظفيها خلال اجتماع لجميع الأطراف أن مشروع مافن Project Maven قيمته 9 مليون دولار فقط.
وضعت ديان غرين العقود الحكومية في مركز استراتيجيتها. حيث تعتبر الوكالات الفيدرالية من بين أكبر المنفقين على الحوسبة المؤسسية ومن ثم تبدأ في الانجذاب نحو الخدمات السحابية. ففي مارس الماضي أيدت غرين ونوابها بفخر الموافقات الجديدة من جوجل على معيار إدارة المخاطر والتراخيص الفيدرالي FedRAMP، ومعايير الامتثال الفيدرالية لتكنولوجيا المعلومات. وقد وافقت جوجل على معيارFedRAMP وهو معيار أمان إلزامي مطلوب بنحو 80 بالمائة في الخدمات السحابية التي تستخدمها الحكومة الفيدرالية الأمريكية.
لكن جوجل تفتقر حاليًا لوجود شهادات تمكنها من العمل مع الوكالات الفيدرالية في حين تتوفر لدي أكبر منافسيها وهما أمازون من خلال خدمات أمازون للويب Amazon Web Services، ومايكروسوفت من خلال سحابتها Microsoft Azure شهادات عالية تعطي لهم تفويض للاحتفاظ ببيانات حساسة أو سرية وبيعها لهيئات مثل وكالة الاستخبارات المركزية. وللقيام بذلك كان على الشركتين إعداد خدمة منفصلة تُسمى سحابة حكومية Government Cloud.
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
أحد المكونات الأساسية لهذه الشهادات هي تكنولوجيا الفجوة الهوائية Air Gap. ببساطة تقوم هذه التقنية فعليًا بفصل أجهزة الكمبيوتر عن الآخرين على الشبكة. فبدلاً من تخزين البيانات من شركات متعددة على خادم أو نظام واحد كما يفعل مقدمو الخدمات السحابية التجاريون عادة، فإن هذه التكنولوجيا سنتيح لشركة أو وكالة وضع بياناتها وعملياتها الحاسوبية بمعزل عن الأجهزة الأخرى. يقول مايكل كارتر نائب رئيس شركة كولفاير Coalfire وهي شركة أمن إلكترونية: “إن هذا الفصل مرغوب بشكل خاص للوكالات في مجال الأمن القومي، وهذا ما توفره أمازون ومايكروسوفت حيث يقدمون مكان خاص للحكومة، لمعرفة مكان بياناتهم كما يمكنهم مسحها إذا أردوا ذلك”.
تنتهج جوجل ميزات أمان خاصة بخدمتها السحابية . ففي مؤتمر صحفي عُقد في شهر مارس الماضي لاحظ مديرو الشركات كيف يمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي التابعة لجوجل رصد هجمات الأمن الإلكتروني في وقت مبكر. وقد قال هولزل خلال المؤتمر الصحفي: “نعتقد أن سحابة جوجل هي أكثر سحابة آمنة على الإطلاق”.
فالكيانات التي من المرجح أن تتطلب أنظمة الفجوات الهوائية الأمنية هي وكالات حكومية أو شركات مالية. وبينما يناقش الخبراء مزايا هذه التكنولوجيا يقولون إنها تمنح العملاء راحة نفسية بشأن أمان بياناتهم.
لذلك سيتعين على غرين ومديري جوجل التنفيذيين الآخرين إقناع الموظفين بأنه من الممكن تقديم عروض الأسعار للعقود الحكومية دون انتهاك معايير جوجل الأخلاقية الجديدة. بعد التعهد بعدم تجديد عقد Project Maven، والذي يتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل لقطات الطائرات بدون طيار، حيث أصدرت الشركة مجموعة من مبادئ الذكاء الاصطناعي هذا الشهر تحظر عمل الأسلحة. لكنهم لا يستبعدون البيع للجيش واستمرار جوجل في متابعة عقود سحابة وزارة الدفاع الأخرى.
اشتكى العديد من موظفي جوجل الذين احتجوا على Project Maven من سوء الاتصالات من رؤسائهم حيث كان معظم الموظفين خارج الوحدة السحابية غير مدركين للعقد حتى فبراير الماضي -أي بعد خمسة أشهر من توقيعه- عندما بدأت الأسئلة حول الصفقة تنتشر على نطاق أوسع على لوحات الرسائل الداخلية. في وقت من الأوقات أخبرت غرين الموظفين بأن الصفقة كانت تساوي أقل من 9 ملايين دولار. ولكن كشفت تقارير لاحقة أن جوجل توقعت أن يصل العقد إلى 15 مليون دولار وأن ينمو ليصل إلى 250 مليون دولار.
جوجل لم تعالج بعد هذه التقارير علنًا. ولكن في الثامن من شهر يونيوالحالي وبعد يوم واحد من إصدار الشركة لميثاقها الأخلاقي، تناولت غرين الخلاف في ملاحظة داخلية ذكرت فيها “في الحديث عن مشروع مافن لم يكن لدي معلومات دقيقة”، وكتبت في رسالة بريد إلكتروني أطلعت عليها صحيفة بلومبرغ على سبيل المثال قلت “إن العقد كان قيمته 9 مليون دولار ولكن في الواقع كان قيمته رقمًا مختلفًا”.
الجدير بالذكر أن موظفو جوجل لديهم تاريخ طويل من الاعتراضات على أسس أخلاقية. فبعد الكشف عن تسريب إدوارد سنودن في عام 2013 واجه العديد من المهندسين كبير المسؤولين التنفيذيين هولزل بالمزاعم التي تقول أن الشركة قد ساعدت الحكومة في برنامج المراقبة الخاصة بها، وهددوا وقتها بالاستقالة.
تتزامن هذه المواجهة الأخيرة في شركة جوجل مع تزايد المخاوف بشأن العلاقة الكاملة بين قطاع التكنولوجيا والحكومة الأمريكية. حيث استهدفت جماعات الحقوق المدنية شركة أمازون بسبب بيعها تكنولوجيا التعرف على الوجه لأقسام الشرطة. وواجهت شركة مايكروسوفت استهداف متشابه بسبب عملها مع هيئة الهجرة والجمارك الأمريكية.
استقال بعض موظفي جوجل من صفقة Project Maven. حيث غادر تايلر برايشر وهو مطور برامج البنية الأساسية بالشركة في أبريل الماضي، وأشار إلى عدم وجود اتصالات واضحة حول العقد وكيفية استخدام برامج جوجل. وقال إن الإدارة بدت مستغربة من رفض الموظفين للمشروع بمجرد مشاركتهم المزيد عنه يبدو أنهم لم يكونوا يتوقعون أنه مثير للجدل لهذه الدرجة”.
وكتبت غرين في رسالة بريد إلكتروني داخلية أنها تريد معالجة “مشكلة الثقة التي تطورت” في الأشهر الخمسة الماضية. وأعربت عن أسفها لعدم إرسال رسالة بريد إلكتروني في وقت سابق لتصحيح خطأها بشأن حجم صفقة مشروع مافن. وأضافت “في الماضي كنت سأفعل لكن في المناخ الحالي من التسريبات كان الإحساس أنه سيكون من الخطأ القيام بذلك لأن التصحيح سيتسرب ويأخذ دورة صحافية أخرى لن تكون جيدة لأي واحد منا”.