تعد الصين متأخرة عن الاقتصادات المتقدمة في العالم في مجال الابتكار التكنولوجي، وتحاول بكين تحقيق هدفها المتمثل في سد تلك الفجوة واتخاذ زمام المبادرة في التكنولوجيات الرئيسية الناشئة، لكن تحديد أهداف طموحة هو شيء، وتحقيقها هو شيء آخر تمامًا، وهناك العديد من الأدوات والأسلحة التي تمتلكها الصين وتزيد من فرص نجاحها في محاولتها لمطاردة حلمها في الهيمنة على التكنولوجيا.
وركزت الصين في سياساتها التقنية على مبادرة “صنع في الصين 2025” Made in China 2025، وهي المبادرة التي تم تصويرها من قبل مراقبين خارجيين على أنها خطة لاسبتدال الواردات الخارجية، إذ ترغب بكين على سبيل المثال في تقليل اعتماد شركات التصنيع الصينية لأشباه الموصلات على الواردات الخارجية، وذلك من خلال تطوير شركات تصنيع الرقاقات الخاصة بها.
وتريد بكين الذهاب أبعد من ذلك بكثير، إذ تهدف إلى مجاراة المنافسين العالميين ضمن حوالي 20 قطاع تكنولوجي ناشئ مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وتريد الصين في قطاع أشباه الموصلات، على سبيل المثال، من الشركات الصينية قيادة ثلث السوق العالمي بحلول عام 2030.
وتعد بعض التقنيات التي تخطط بكين لاستخدامها لتحقيق هذا الهدف أشبه بما حصل خلال الأعوام الماضية فيما يتعلق بالتخطيط الصناعي، في حين تعكس بعض التقنيات الأخرى قوة الصين الاقتصادية المكتسبة مؤخرًا، بالإضافة إلى أداة قديمة متجددة تتمثل في دعم الدولة السخي للشركات المفضلة لديها.
وقامت الحكومات الصينية في الماضي بتمديد الإعفاءات الضريبية الباهظة لعدد محدد من الشركات، فضلاً عن تقديم ائتمان رخيص وأرض مجانية وطاقة بأسعار مخفضة، ولكن كانت النتائج في كثير من الأحيان تؤدي إلى سوء تخصيص رأس المال وإجراءات مضادة من قبل الشركاء التجاريين الذين اتهموا الصين بالبيع في الأسواق العالمية بأقل من التكلفة.
وتأمل بكين هذه المرة في توفير دعم أكثر ذكاءً، كمساعدات مالية ضخمة من صناديق رأس المال الاستثماري الموجهة من الدولة، والتي يأمل صناع السياسة أن تكون أكثر تمييزاً، إذ خصصت الصين في نهاية عام 2015 مبلغ 328 مليار دولار أمريكي لهذه المساعدات، مع تخصيصها 120 مليار دولار للاستثمار في أشباه الموصلات وحدها.
كما تعتبر عمليات نقل التكنولوجيا بمثابة أحد أساليب بكين المجربة والموثوقة، حيث أن الشركات الأجنبية الراغبة في البيع في السوق الصينية ملزمة بمشاركة تكنولوجيا الملكية الفكرية الخاصة بها مع الشركاء المحليين، الذين يتحولون بسرعة إلى منافسين.
وحدث هذا الأمر إلى حد كبير مع شركات السكك الحديدية عالية السرعة الرائدة من أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان، إذ في سبيل الحصول على موطئ قدم في الصين، قاموا بتسليم تكنولوجياتهم إلى الشركات الصينية ليجدوا أنفسهم خارج السوق المحلية وخارج المنافسة على التكلفة في المشاريع الدولية.
وتستخدم بكين أسلوب آخر يتمثل في لعب دور أكبر في وضع معايير تقنية جديدة متفق عليها دوليا، إذ قامت الشركات الصينية مثل هواوي و ZTE، على سبيل المثال، بوضع نفسها بقوة في اللجان الدولية التي تضع المعايير العالمية الجديدة لشبكات الجيل الخامس المحمولة، وهي الشبكات التي سوف تلعب دورًا كبيرًا في مجال التطبيقات الصناعية.
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
ويعتزم صانعو السياسة الصينيون تأسيس شركات صينية رائدة في السوق العالمية من خلال لعب دور قيادي في وضع المعايير الدولية، ويأملون من خلال هذه الطريقة في تجنب مصير اليابان في التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ لجأت الشركات اليابانية في ذلك الوقت إلى وضع معاييرها الخاصة الفريدة والمتطورة نسبياً، مما جعلها تجد نفسها متخلفة عندما اتخذت التكنولوجيا في الأسواق الرئيسية الأخرى طريقاً مختلفاً.
وتخطط الصين لاستخدام قوتها التنظيمية لضمان أن الشركات المحلية تتمتع بميزة لا يمكن للمنافسين الأجانب تجاوزها، حيث تقوم السلطات الصينية على نحو متزايد بتطبيق سياسات الأمن القومي الشاملة والسيادة السيبرانية وقواعد حماية البيانات لضمان أن تكون الشركات التكنولوجية الصينية هي الوحيدة القادرة على المنافسة في السوق الصينية المحلية.
وتهدف هذه السياسة إلى تعزيز حصة الشركات المحلية في السوق الصينية، والتي أصبحت بسرعة أكبر الشركات في العالم في العديد من المجالات، ويأمل المسؤولون من خلال هذه الطريقة ضمان أن يكون للاعبين المحليين كتلة حاسمة لا تضاهى عندما يتنافسون على المستوى الدولي.
وقامت بكين بطرح ما تسميه “طريق الحرير الرقمي” لإعطاء الشركات الصينية مساعدة إضافية في الأسواق العالمية، وتهدف هذه المبادرة إلى مطالبة البلدان المتلقية لاستثمارات البنية التحتية الصينية تبني المعايير التكنولوجية الصينية وتوظيف الشركات الصينية عند تحديث اتصالاتها أو تركيب منشأت بيانات كبيرة جديدة أو حوسبة سحابية أو تجارة إلكترونية.
وترغب الصين في تصدير التكنولوجيا الصينية إلى جانب الحصول على التكنولوجيا من الخارج، وتبعًا لعدم تمكنها من فرض هذا الأمر على الشركات الأجنبية، فإنها تسعى إلى شراء تكنولوجيات جديدة، إذ أثبتت الصناديق الاستثمارية المدعومة من الصين نفسها في السنوات القليلة الماضية على انها من أكبر المشترين للشركات الناشئة في وادي السليكون الأمريكي.
ووفقًا لإدارة الدفاع الأمريكية، فقد شاركت الصناديق الاستثمارية الصينية خلال عام 2015 في 16 في المئة من جميع صفقات تمويل المشاريع في الولايات المتحدة، وأظهر حماساً خاصاً لتمويل الشركات التي قد يكون لتكنولوجياتها تطبيقات عسكرية محتملة.
وتستخدم الكيانات الصينية أساليب خفية في سعيها وراء الهيمنة على التكنولوجيا العالمية، ويشرح القسم 301 من التحقيق الأمريكي المتعلق بنقل التكنولوجيا الصينية وممارسات الملكية الفكرية، والذي نشر في في شهر مارس/آذار تفاصيل برنامج التجسس الصناعي الذي لم يسبق له مثيل من حيث الحجم والرقي.
ويتم تنفيذ الكثير من هذه المهام بواسطة جهاز استخبارات الإشارات التابع لجيش التحرير الشعبي الصيني، وهو موجه إلى شركات التكنولوجيا في البلدان الغربية بهدف واضح وصريح هو سرقة الملكية الفكرية القيمة.
وقد دفعت هذه الممارسات الإدارة الأمريكية إلى شن حرب تجارية ضد الصين، ولكن من الواضح أن التعريفات التجارية وقيود الاستثمار الأشد صرامة لن تردع الصين عن سعيها للحصول على التكافؤ التكنولوجي مع الدول الغربية، بل وحتى السيطرة على هذه التكنولوجيا، وقد تؤدي هذه التوترات التجارية إلى تسريع المحاولة.