>تحتاج كل شركة إلى استراتيجية خاصة بتقنية الأجهزة النقالة، ولكن على الشركات أيضاً أن تضمن أن هذه التقنية محل ثقة لتتمكن من استغلال ميزاتها.
أصبحت منظومة تقنية الأجهزة النقالة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى بالإضافة إلى اشتمالها على نطاق واسع من المنتجات والخدمات. ولم تعد شركات الاتصالات هي الجهة الوحيدة التي لديها اهتمام في مجال تقنية الأجهزة النقالة. فهنالك البنوك، على سبيل المثال، التي تزود عملائها بتطبيقات الأجهزة النقالة وسلطات النقل المحلية التي تشجع مستخدمي وسائل النقل على استخدام هواتفهم الذكية لدفع أجرة المواصلات.
لقد كان قطاعي المالية والنقل هما القطاعين الرائدين في هذا المجال وسارعت باقي القطاعات باللحاق بهما، حيث سمحت العديد من الحكومات لمواطنيها بتخزين بطاقات هوياتهم الإلكترونية على هواتفهم لتمكينهم من توقيع أوراق ذات صبغة قانونية. أما في مجال العمل، فإن تطبيقات الأعمال على الأجهزة النقالة تساعد الموظفين على الوصول إلى بيانات الشركة من أي مكان عبر هواتفهم الذكية أو حواسيبهم اللوحية. هذه التقنية المعاصرة وفرت مرونة وكفاءة لم نكن لنتخيلها حتى قبل سنوات قليلة، حيث يمكن للمستخدم المعاصر أن يصدر تذكرة في دقيقة واحدة، وفي الدقيقة التالية يمكنه أن يستفسر عن صحة أحد اقربائه من كبار السن.
هنالك العديد من الشركات في تلك القطاعات الساعية وراء فرص جديدة في تقنية الأجهزة النقالة لم تكن تعمل في هذا المجال قبل سنة أو سنتين، مما يعني أن الزبائن في حاجة للوثوق بهذه الشركات فيما يتعلق ببياناتهم الشخصية وأموالهم ضمن بيئة جديدة كلياً. فعلى سبيل المثال، اتضح لقطاع الأعمال المصرفية أن الثقة بتقنية الأجهزة النقالة لا يمكن بناؤها في يوم وليلة، حيث أظهرت دراسة استطلاعية أجرتها مجموعة "آي إن جي" في 12 دولة أن 25% من الزبائن قالوا بأنهم استخدموا بعض تطبيقات الأجهزة النقالة في عملياتهم المصرفية، وعندما طرح سؤال على أولئك الذين لم يستخدموا هذه التقنية عن السبب، حدد 33% منهم السبب الرئيسي بعدم الثقة في الأمن الرقمي. لذلك ينبغي على مزودي الخدمة أن يضمنوا أن البيانات والأموال محمية جيداً في ظل وجود تقنيات مثل الجيل الرابع من المشاريع المتطورة طويلة الأمد (4G/LTE) وتقنية الاتصال القريب (NFC) التي تدعم الهواتف الذكية.
إدارة المخاطر البشرية
إذا لم يضع الناس الثقة في تطبيقاتهم ومحافظهم الرقمية فإن فرصة اقتصادية وتقنية عظيمة ستفوتهم، وينبغي علينا أن ننظر إلى أبعد من ذلك من خلال فهمنا بأن تقنية الأجهزة النقالة آمنة وسليمة كغيرها من التقنيات. أما إذا أخفقنا بفعل ذلك، فإن الكثير من فوائد هذه التقنية ستتأخر في الظهور وسيتباطأ التقدم التقني.
يعمل مزودو التقنية وكافة الجهات المسؤولة عن المنظومة المحيطة بنطاق الخدمات المتوفرة لمستهلكي تقنية الأجهزة النقالة على تحفيز زيادة الثقة باستخدام تقنية الأجهزة النقالة بشكل عام، فبمجرد وثوق المستخدمين بالهواتف على أموالهم، فإنهم سيثقون بها في القيام بأمور أخرى أكثر بكثير. ولو نظرنا إلى مثال الشركات، نجد أن صاحب العمل بحاجة إلى توفير طرق آمنة للدخول إلى مصادر البيانات، مثل الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) أو أنظمة إدارة علاقات العملاء (CRM)، وذلك من خلال الهاتف أو الحاسوب اللوحي وخاصة في حالة استخدام الموظفين لأجهزتهم الخاصة (BYOD). وفي هذا السياق، يجب أن تستثمر البنوك وتجار التجزئة وأي طرف يستخدم أدوات حيوية عبر الإنترنت في التطبيقات الآمنة والتسويق لزيادة الوعي حول هذه التطبيقات لدى الجمهور.
يحتاج هذا القطاع إلى تأسيس "شبكة ثقة في تقنية الأجهزة النقالة" من خلال العديد من المراحل ضمن سلسلة هذه التقنية وبما يضمن أمن الأجهزة والعنصر الآمن (المكان الذي يتم فيه تخزين بيانات الدخول بشكل آمن) والبرمجيات والخوادم وأي تبادل للبيانات والمعاملات، حيث يمكن من خلال هذا الأمر التأكد من أن المستهلكين يشعرون بالارتياح حيال تحويل المزيد من محتويات محفظتهم المادية إلى هواتفهم ضمن أفضلمستويات الأمن ونفس مستوى التوافق مع تطبيقاتهم المفضلة. ولكن تقنية الأجهزة النقالة قد تكون حلقة أمنية ضعيفة في سلسلة الثقة إذا لم ترتكز على تجهيزات وبرمجيات أمنية ذات مستوى عالي التطور، وقد تخلق بالتالي نوعاً من الشكوك لدى المستهلكين بخصوص إدخال بياناتهم الخاصة مثل اسم المستخدم وتفاصيل الدفع في الأجهزة.
كما يحتاج المستهلك إلى أن يكون واثقاً من أن الشركات التي تقدم هذه الخدمات المتنوعة التي يستخدمها ستحافظ على أمن بيناتها، ويمكن بناء مثل هذه الثقة عبر التمكن من التواصل مع هذه الشركات وهؤلاء الأشخاص الذين يقفون وراء تقديم الخدمات. وإذا تمكنا من تفعيل هذا الأمن في الأجهزة وعبر الشبكة، سوف يثق المستهلكون بأجهزتهم النقالة كوسائل للدفع والتحقق بنفس الدرجة التي يثقون بها ببطاقاتهم الذكية.
قامت العديد من الشركات الرئيسية التي تعمل في مجال تقنية الأجهزة النقالة باتخاذ خطوات كبيرة في تأسيس بنى تحتية موثوقة. وعلى سبيل المثال، يعمل مشروع المحفظة النقالة آيسيس (Isis) لتقنية الاتصال القريب (NFC) في الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام نظام إدارة خدمات مركزي وموثوق (TSM)، مما يتيح المجال لعمليات التحميل الآمن لبيانات المستخدم (مثل بطاقات الائتمان أو برامج الولاء أو تذاكر السفر) على العنصر الآمن في الهاتف بالإضافة إلى ضمان سرية تبادل البيانات بين مشغل خدمة الهواتف النقالة ومزودي الخدمات.
تحويل الأخبار السيئة إلى أخبار جيدة
حتى وإن أمكن تقليل المخاوف المتعلقة بالتجهيزات والبرمجيات، إلا أن الثقة في التقنيات الشائعة الاستخدام ومزوديها قد تأثرت بالأخبار الأخيرة التي تناقلتها وسائط الإعلام العالمية حول أمن البيانات. فبالرغم من ازدياد الهوة بين المستهلكين وتقنية الأجهزة النقالة نتيجة لذلك، فإنه من جهة أخرى قد يعمل على إحداث تحسين في التقنية المرتكزة على الخصوصية وتثقيف المستخدمين كنتيجة أخرى لهذه الأخبار، وفي ضوء انفتاح الأمن الرقمي أمام المستخدمين فإنهم في الغالب يقومون بالنظر إلى الموضوع بشكل أكثر جدية وإقحام أنفسهم بالأمر بشكل أكبر. بالتالي كلما زاد تركيز المستخدم على الأمن فإنه غالباً يزداد ثقة بأمن الخدمات النقالة التي يستخدمها.
تحظى تقنية الدفع بواسطة الأجهزة النقالة بتغطية إعلامية واسعة، ولكن هنالك الكثير من الخدمات الجديدة ومنها على سبيل المثال مجالات الصحة والهويات الحكومية وإصدار التذاكر العاملة عبر الهواتف النقالة التي تحدث تأثيراً كبيراً في حياة الناس. ومن جهة أخرى يتطلع المستخدمون مثلاً إلى أن تكون المعلومات الصحية الحساسة في مأمن أو أن يضمنوا عدم استخدام هوياتهم لغايات الاحتيال.
>
لا يعد الأمن الرقمي من العلوم الثابتة فالمستوى الصحيح يجب أن يتم اختياره ليتلاءم مع خدمة معينة ومع حساسية البيانات التي تستخدمها وأهداف مزود الخدمة الذي يقوم بنشرها، كما يمكن فهم الرغبة في تحقيق التوازن بين الوصول إلى الزبائن وسهولة الانتشار من جهة وبين الأمن والقدرة على التبادل بالنسبة للعديد من خدمات الأجهزة النقالة التي تتميز بانخفاض المخاطر المتعلقة بالأمن من جهة أخرى. على الرغم من ذلك، فإن الخدمات الأخرى - مثل الدفع عبر الأجهزة النقالة أو التوقيع الرقمي - لديها متطلبات أمنية أعلى، وبهذا الصدد، فإن الأمن الشامل والمصادقة من قبل جهات خارجية والتبادلية عبر القطاع سوف تساعد القطاع على اتخاذ خطوات كبيرة نحو تبني الأسواق العامة الكبيرة.
إن مخاوف المستخدمين حول أمن الأجهزة النقالة، والتي تمت تغذيتها جزئياً بواسطة الأخبار الأخيرة في وسائل الإعلام العالمية، يمكن أن تكون بل يجب أن تكون سبباً في خلق بيئة أكثر أمناً على الإنترنت، وسيتبع ذلك الثقة حتماً، بمعنى أن الصناعات التقنية يمكن أن تستمر في الازدهار وخاصة في ذلك العالم الناشئ حديثاً والمليء بالفرص والإمكانيات والذي دخلته الهواتف الذكية. وهنا يأتي دور شركات خدمات الهواتف النقالة والعدد المتزايد من مزودي الخدمات لضمان اقتران هذه الثقة مع كل خدمة يقدمونها.