نشر موقع "العربية. نت"، تقريراً تطرّق فيه إلى تفاصيل إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، انسحاب القوات الأميركية من المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا.
ووفقاً للتقرير الذي أعدّه الكاتب بيير غانم، فإنّ قرار ترامب بدا مفاجئاً للكثيرين، كما بدا أنّ سماح واشنطن للقوات التركية بالدخول إلى الشريط الحدودي هو "ضوءٌ أخضر" للعملية العسكرية التركية "نبع السلام"، التي أعلن عنها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم التاسع من تشرين الأوّل الحالي.
واتهم الأكراد، كما غيرهم ترامب بالتخلّي عن الحلفاء وتسليم المنطقة للنفوذ الروسي والنظام السوري وإيران.
الحملة التركية
وبحسب تقرير "العربية"، واستناداً إلى أكثر من مصدر، فإنّ تركيا ومنذ أكثر من عامَيْن قامت بشنّ حملة دبلوماسية وقامت بتحركات ميدانية في حملة وصفها الأميركيون بـ"الأزمة المستمرة".
بدأت هذه الحملة بقول أنقرة وسفارتها في واشنطن للبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية و"البنتاغون" وأعضاء الكونغرس إنّ قوات "الحماية الشعبية الكردية" و"قوات سوريا الديمقراطية" هما مجرّد تسمية لمن هم في الحقيقة "حزب العمال الكردستاني" الإرهابي بحسب تصنيف أنقره وواشنطن.
كما أحصت أنقره ووزعت على الأميركيين بيانات بالعمليات العسكرية التي شنّها الأكراد عبر الحدود، وعرضوا لوائح بأسماء عناصر "قوات الحماية" وهم عناصر "حزب العمال الكردستاني".
وطالبت تركيا منذ ذلك الحين بإبعاد هؤلاء العناصر عن حدودها، وأبدت في كل مناسبة حضرها أي مسؤول تركي استغرابها الشديد من أن "الولايات المتحدة تفضّل التعامل مع تنظيم إرهابي بدلاً من التعاون مع حليف استراتيجي وعضو في حلف الأطلسي".
تسريب تركيا لـ"داعش"
في المقابل، ووفقاً للتقرير، فقد كان الأميركيون منذ العام 2015 غاضبون من تركيا ومن تصرفات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خصوصاً قيادة المنطقة المركزية، وطلب الأميركيون من أنقره إقفال الحدود التركية السورية لدى بدء العمليات الجوية الأميركية ضدّ "داعش"، لكن تركيا تباطأت ولم تتجاوب مع مطلب الأميركيين، حتى أنّ بعض ضباط القيادة المركزية في "تامبا فلوريدا"، اعتبروا أن تركيا سمحت بدخول 1200 عنصر أجنبي عبر حدودها إلى سوريا، وقد انضمّوا إلى تنظيم "داعش"، وهذا ما أطال أمد العمليات العسكرية ضد "داعش" بسنة على الأقل.
زاد في تأزّم العلاقات بين العسكريين الأميركيين وزملائهم الأتراك خلال العامين الماضيين، أن تركيا بقيت لأشهر طويلة تفاوض روسيا على شراء منظومة "إس400 " ووصلت إلى شرائها بالفعل في العام 2019 بدلاً من شراء منظومة "باتريوت" الأميركية والمعتمدة من قبل دول "حلف شمال الأطلسي" (الناتو).
رجال تركيا في واشنطن
وبحسب التقرير نفسه، فقد كان ترامب يريد الانسحاب من سوريا منذ القضاء على "داعش"، وأعلن عن قراره في كانون الأوّل العام 2018 ولم يكن يرى سبباً لبقاء قواته هناك، وحاول حينها تلزيم تركيا "مشكلة شمال شرق سوريا" لكن أعضاء الإدارة الأميركية و"الكونغرس" وقفوا بوجهه، وأصرّوا عليه للتراجع عن قراره، وهو فعل ذلك وأقرّ سياسة جديدة تقول إن "الولايات المتحدة باقية في سوريا إلى حين انسحاب القوات الإيرانية والموالية لها".
لكن التقرير يشير إلى أنّه وخلال الأشهر الماضية طرأت تغيرات كثيرة في مدار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فوزير الدفاع جيم ماتيس ترك البنتاغون، فيما أصبحت أصوات مؤيّدي تركيا عالية في الإدارة وقريبة من أذن الرئيس الأميركي، وخصوصاً السفير جيمس جيفري وهو يمثّل تياراً كلاسيكياً في الحكومة الأميركية ووزارة الخارجية ويعتبر أن تركيا "حليف في الأطلسي" ويجب أن نتجاوب مع مطالب تركيا.
انشقاق في واشنطن
وفي هذا السياق، ينقل التقرير عن أكثر من مصدرٍ أنّ "الخلاف بين أجنحة الإدارة الأميركية كان عميقاً، وقد انشق الصف بين جناح وزارة الخارجية من جهة، وجناح "البنتاغون" وقيادة المنطقة المركزية في "تامبا فلوريدا" من جهة أخرى، وإلى جانبهم ضباط الوحدات الخاصة الذين اقتربوا كثيراً من عناصر القوات الكردية وحاربوا إلى جانبهم في منطقة شمال شرق سوريا".
خلال الصيف الماضي صعّد الأتراك من ضغوطهم وتابعوا سياسة "الأزمة المستمرة" وطالبوا بشكل واضح إبعاد الأكراد عن الشريط الحدودي.
وفي آب، رجحت الكفّة لـ"جناح تركيا الأميركي" حيث وافقت واشنطن على خطوة سحب القوات الكردية من منطقة الشريط الحدودي وبدأت تنظيم عمل دوريات مشتركة مع الأتراك داخل سوريا.
انفجار خلافات "سانتكوم" والأتراك
يقول أكثر من مصدر في العاصمة الأميركية لـ"العربية" إنّ غرفة العمليات العسكرية التي تمّ إنشاؤها، شارك فيها ممثلون عن وزارة الخارجية الأميركية وقيادتي المنطقة الأوروبية والمنطقة المركزية.
سارت الأمور بشكل مقبول حتى أواخر الصيف.
وأكدت مصادر غير رسمية أنّ ممثّلي وزارة الخارجية الأميركية تركوا مركز التنسيق في تركيا، لكنّ انسحاب الدبلوماسيين أشعل حريقاً بين الأتراك وضباط القيادة المركزية الأميركية "سانتكوم"، خصوصاً أن هذه المجموعة من الضباط الأميركيين تلوم الأتراك على تسريب الإرهابيين إلى داخل سوريا.
مع الأسبوع الأخير من أيلول وأوائل تشرين الأوّل الحالي عادت الأمور إلى نقطة الصفر بين الطرفين، وعاد الأتراك إلى الضغط من جديد، فهم يريدون الفصل بين الأكراد السوريين والحدود التركية، ويريدون القضاء على الجيب الكردي بالكامل في شمال شرقي سوريا، ويريدون إعادة مئات الآلاف من السوريين اللاجئين على الأراضي التركية إلى داخل سوريا، بصرف النظر إن كان هؤلاء من منطقة شرق الفرات أم لا.
اتصال أردوغان – ترامب
أصرّ أردوغان خلال الاتصال الهاتفي الشهير مع الرئيس الأميركي يوم 6 تشرين الأوّل على الدخول بالقوة العسكرية إلى منطقة الحدود، فشعر الرئيس الأميركي أنه نفس الموقف الذي حصل في شهر كانون الأوّل 2018 حين أراد أصلاً الخروج من سوريا.
وقد تحدث مسؤولون أميركيون إلى الصحافيين بعد هذا الاتصال، ووصفوا ما حدث بين ترامب وأردوغان، قائلين إنّ "الرئيس الأميركي لم يكن ليتحمّل فكرة أن يطلق جندي أميركي النار على جندي من دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، كما أنه لم يتحمّل فكرة أن يموت جندي أميركي في إطلاق نار بين الأكراد والأتراك، فسلّم الرئيس الأميركي بالأمر الواقع، ووافق على سحب الجنود الأميركيين من الحدود السورية التركية".
في الساعات والأيام القليلة بعد ذلك، ثار الكونغرس ضد الرئيس الأميركي خصوصاً الجمهوريون، لكن ترامب حاول الموازنة بين أمرين، التراجع عن خطوته كما فعل من قبل ومحاولة إرضاء تركيا.
من أغضب ترامب؟
يقول أميركيون يعملون عن قرب في هذا الملف من خارج الإدارة الأميركية، إنّ ترامب غضب أولاً من أنّ الرئيس التركي لا يتجاوب معه، لكن "فريق تركيا" في الإدارة ساعد الرئيس على التعامل مع هذا الغضب من باب أن تركيا عضو في "حلف شمال الأطلسي" ويجب أن تحسب الإدارة الأميركية خطواتها ضد أنقرة.
كما غضب الرئيس الأميركي أكثر من أن صورته تشوّهت لدى الناخبين الأميركيين لأن أعضاء الكونغرس اتهموه بالتخلّي عن الحلفاء الأكراد.
كذلك، غضب ترامب أكثر من الأكراد لأنهم اتهموه بالخيانة، وظهروا أنهم ضحايا في حين أن إدارة ترامب طلبت من الأكراد التعاون معها لمواجهة إيران وهم رفضوا.
بعد ذلك شاهد ترامب كيف فتح الأكراد الطريق أمام النظام السوري وروسيا للدخول إلى مناطقهم.
ومع الوصول بالأزمة إلى الأيام الثلاثة الماضية، ذهب مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين والسفير جيمس جيفري إلى أنقرة وتحدثا مع الأتراك، وتحرّك موقف الرئيس الأميركي أكثر فأكثر باتجاه التوصل إلى صفقة ترضي تركيا وتوصل الطرفان إلى اتفاق يلبّي مطالب تركيا عند الحدود ويبقي الأكراد في جيب بعيد عن تركيا.
ومع هذا، وعلى ضوء المجريات التي حصلت خلال الأسابيع الماضية لا يزال فريق في واشنطن يعتبر أن كلّ المشكلة تكمن في "فريق تركيا" في الإدارة الأميركية.