لم تتفاجأ القوى السياسية بحراك الشارع وشعارات المتظاهرين وهتافاتهم، خاصة وان التظاهرات بدأت في بيروت، لكنها طالت الشمال والجنوب وجبل لبنان والبقاع، فبعض أركان الحكومة كان قد حذر من انفجار الشارع في حال استمر الامعان بفرض اجراءات ضريبية تطال الطبقتين الفقيرة والمتوسطة وغض النظر عن منابع الهدر والفساد.
لقد تظهر بوضوح الرفض الشعبي لخطابات القوى السياسية والتي بدأت من قصر بعبدا مع تصريح الوزير جبران باسيل، فكلمة رئيس الحكومة سعد الحريري، وصولاً إلى اطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اليوم في ذكرى أربعين الحسين، وإن كانت حدة هذا الرفض اختلفت عند المتظاهرين؛ حيث فاق الهجوم على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير باسيل التهجم على الرئيس الحريري والسيد نصر الله، رغم أن بعض المتظاهرين تجاوزوا، بحسب ما يؤكدون، مرحلة الرهان على الحكومة والطبقة السياسية في احداث التغيير المرجو والمنشود من قبل الشعب، في حين أن البعض الاخر لا يريد استقالة الحريري لكنه في الوقت عينه يطالب الاخير بانجاز الاصلاحات بعيدا عن سياسة فرض الضرائب.
وسط ما تقدم، ترى مصادر مقربة من حزب الله لـ"لبنان24" ان الفرصة لا تزال سانحة لتراجع الحكومة عما كانت تنوي فرضه من ضرائب على ذوي الدخل المحدود سواء من داخل الموازنة أو من خارجها، وهي مرتبطة بالنيات الحقيقية لمكونات مجلس الوزراء من جهة وبإرادة الوصول الى حل، مشيرة الى ان السيد نصر الله وجه رسائل تحذيرية الى المعنيين، عندما قال "من يهرب من تحمل المسؤولية أمام الوضع القائم يجب أن يحاكم، ولن يزمط، خصوصا أولائك الذين أوصلوا البلد إلى هذا الوضع الصعب".
لقد رسم الامين العام لحزب الله في خطابه 4 محددات للمرحلة المقبلة هي:
العهد باق ولن يتحقق حلم احد بإسقاطه (في رسالة واضحة الى النائب السابق وليد جنبلاط)
لا بديل عن حكومة الحريري
حظوظ حكومة تكنوقراط معدومة لا سيما في هذه اللحظة السياسية (وهنا يرد السيد نصر الله على مطلب رئيس حزب القوات سمير جعجع)
الدعوة الى انتخابات نيابية غير متاحة لألف سبب وسبب.
وعليه، فإن التسوية السياسية لا تزال صالحة، لكنها ستكون مشروطة بتغيير ذهنية المقاربة للسياسة الاقتصادية والمالية، فسلوك المكونات الحكومية طريق التعاون، سيجنب لبنان خياري الانفجار الشعبي وانهيار البلد، فلبنان ليس بلداً فقيرا أو مفلسا ويمكن انقاذه بادارة جديدة، طالما ان مصادر سد العجز معروفة لدى الجميع والقوانين المتصلة بضبط الفساد على طاولات الرؤساء والوزراء والنواب.
ان كل محاولات جنبلاط وجعجع لدفع الرئيس الحريري للاستقالة باءت بالفشل. فرئيس الحكومة الذي أعطى نفسه والمكونات الحكومية مهلة 72 ساعة لانجاز الخطة الانقاذية، لن يستقيل ولن يأبه لنصائح من يضع رجلا في البور ورجلا في الفلاحة، في اشارة الى القوات والاشتراكي، ومرد ذلك، بحسب مصادر المستقبل لـ"لبنان24" ، أن أداء البيك والحكيم، لا يتعدى المزايدات السياسية التي لن يحصدا منها الا الفشل؛ فدعوتهما الرئيس الحريري للاستقالة ليست عن حسن نية؛ واذا كان الطرفان يريدان الاستقالة جديا لا شعبويا، فلا احد يعترض طريقهما.
إذا الرئيس الحريري، لن يترك البلد يذهب نحو الانهيار، تقول مصادره. فحركته تمحورت منذ يوم امس على إنجاز الخطة الانقاذية التي سيعرضها في جلسة مجلس الوزراء يوم غد، وخلصت إلى عدم فرض أي ضرائب جديدة على المواطنين في موازنة العام 2020 التي ستنجز في الساعات المقبلة، بالتوازي مع الإسراع في تنفيذ المعالجات في قطاع الكهرباء وإقرار خطوات إصلاحية جدية مع مساهمة من القطاع المصرفي. وتجدر الإشارة إلى أن ورقة الحريري الاقتصادية التي وصفت بالجديدة من حيث مضمونها، اطلع عليها حزب الله والتيار الوطني الحر وحزب الطاشناق والحزب التقدمي الاشتراكي، في حين أن حزب القوات لم يشارك في اجتماعات بيت الوسط، لكن اتصالاً جرى بين الرئيس الحريري ورئيس حزب القوات سمير جعجع.