وتقول الأكاديمية الأميركية في مقالها، إنّه "كان عالماً إسلامياً ادعى أنه من سلالة النبي محمد (ص)، وبنى على أيديولوجية تدميرية ووحشية غير عادية ورثها من معلّمه أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم "القاعدة" في العراق".
وتشير الكاتبة إلى أنّ "الأهم من ذلك أن البغدادي استطاع أن يجند أفراداً سابقين في الجيش والمخابرات البعثيين، ما زاد من مقدرته على التمرد بشكل كبير، واستغل الحرب السورية لإنشاء نموذج دولة، هي الأولى من نوعها في تاريخ الإرهاب الحديث، تمكنت من انتزاع مساحات من الأرض والسيطرة عليها، وتجميع مليارات الدولارات، وتنظيم قوة عسكرية كبيرة".
وتلفت ستيرن إلى أن "تنظيم "داعش" تحت زعامة البغدادي أصبح أغنى وأقوى حركة إرهابية في التاريخ الحديث، ووعد أتباعه في العالم بجهاد 5 نجوم - يتضمن سكنا مجانيا وسيارات وحتى زوجات - وتوافد أتباعه على "الخلافة" من أنحاء العالم كله، فيما يمكن اعتباره عملية التجنيد الأكثر فعالية لمنظمة جهادية شهدها العالم على الإطلاق".
وتنوه الباحثة إلى أنه "تخصص في وحشية غير عادية، بما في ذلك نقل قطع رؤوس الأعداء (معظمهم من المسلمين) نقلا حيا، وتدريب الأطفال على القتل عن مسافة قصيرة، (وهو شيء يصعب على معظم البشر فعله)، وبيع النساء ليغتصبن بشكل متكرر، وحتى تنظيم القاعدة لعن تكتيكاته البشعة".
وتؤكد ستيرن أنّ "موت البغدادي أثبت لبقية المؤيدين أنه حتى "الخليفة" معرّض للقتل، لكن الأمر يحمل أهمية سياسية ورمزية أكثر من الأهمية العسكرية، فالقيادات الجهادية وحتى المجموعات الجهادية يأتون ويذهبون، وينقسمون إلى فصائل، ويتحدون مع خصوم سابقين، ويكتسبون أسماء جديدة وولاءات جديدة".
وتقول الكاتبة: "ربما يكون تنظيم "داعش" هو المثال الأفضل لهذه الظاهرة، فكان هناك زعيمان يسعيان للسيطرة على ما تبقى من تنظيم القاعدة في العراق، الذي من المفترض أنه قضي عليه من خلال حملة جورج بوش عام 2007، وبقي أحدهما في حضن تنظيم "القاعدة"، وهو أبو محمد الجولاني، أما الآخر، أبو بكر البغدادي، فانشق عن تنظيم القاعدة وأعلن عن إنشاء الخلافة، التي جذبت عشرات الآلاف من الأتباع".
وتتساءل ستيرن: "هل أوصى البغدادي لخليفة له؟ هناك إشاعات على الأغلب أنها صحيحة تقول بأنه فعل ذلك، لكن حتى لو لم يكن هناك خليفة تمت التوصية له، فإن تنظيم "داعش" عاد الى جذوره الإرهابية، مع إمكانية إلهام الهجمات في جميع أنحاء العالم، وحتى بعد خسارة الأراضي، استمر تنظيم "داعش" في جذب المؤيدين".
وتستدرك الباحثة بأن "الأهم من ذلك هو الحاجة أن نتذكر بأن العالم لا يحارب رجلاً واحداً، ولا حتى منظمة واحدة، لكنه يحارب حركة، ولسوء الحظ فإن الكثير من مخاطر قيام تنظيم "داعش" (ثانٍ) لا تزال موجودة، ومن بينها، الدول الضعيفة التي تفتقر إلى حكم جيد، التي تعاني من البطالة العالية ومن التوتر الطائفي أو الحرب الأهلية".
وتفيد ستيرن بأن "تنظيم "داعش" قد استغل هذه العوامل لتوسيع (ولاياته) في بلدان أخرى حطمتها الحروب، من بينها أفغانستان وليبيا ونيجيريا واليمن، وتبقى العديد من تلك (الولايات) قائمة، وبالرغم من خسارة ما تبقى من "الدولة" في آذار، فإن التنظيم استطاع أن يقوم بعدة عمليات إرهابية في سريلانكا وأفغانستان والعراق".
وتقول الكاتبة: "بالنسبة لنا في الغرب فإنّ تنظيم "داعش" استغل منصات التواصل الاجتماعي لجذب وإلهام مؤيدين من أنحاء العالم، فيما أصبح يعرف بـ(الجهاد مفتوح المصدر/ المصدر المفتوح: مصطلح يطلق على نوع من البرمجيات حيث يمنح صاحب البرنامج حق التعديل والتوزيع للمستخدمينٍ)، ولسوء الحظ فإن هذا درس ستتعلمه المجموعات الإرهابية بسرعة: وحتى تجد شركات الإعلام الاجتماعي طريقة لمعالجة مخاطر إخفاء الهوية على شبكات الإنترنت، فإنّ المجموعات الإرهابية والعصابات الإجرامية ستبقى تستخدمها لمصالحها".
وتشير ستيرن إلى أن "الرئيس ترامب قام صباح الأحد بتقديم بتفاصيل غير عادية عن مهمة قتل البغدادي، ويمكن أن نعلم في الأسابيع والأشهر القادمة كيف استطاعت المخابرات العالمية اختراق تنظيم "داعش"، وأشكال التعاون الدولي التي أدت إلى قتله".
وتضيف الباحثة أنّ "هناك شيئا واضحاً: لم يكن هذا نتيجة جهد رئيس واحد ولا بلد واحد تم خلال أسبوع واحد فقط، ولا شك أنه يقف وراءه الكثير من عناصر (الدولة العميقة)، من مخابرات وأفراد جيش عادة لا تذكر أسماؤهم ممن يكرسون أنفسهم ويقدمون التضحيات لأجل حماية مواطنيهم، بالإضافة إلى أن العملية، بحسب ترامب، كانت بتعاون مع روسيا وسوريا والعراق وتركيا، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية من الأكراد الذين تخلى عنهم ترامب عندما سحب القوات الأميركية من شمال سوريا".
وتجد ستيرن أنه "من هذه الناحية فربما كان أكبر خطأ للبغدادي هو أنه جعل من نفسه عدوا للعالم بأسره، محفزاً بذلك أعداءه للعمل معا ضده".
وتؤكد الكاتبة أن "تنظيم "داعش" ستتم هزيمته في المحصلة، لكننا نحارب الحركة الجهادية وليس مجموعة جهادية واحدة، والحركة الجهادية هي أحد مظاهر الدافع الأصولي، وهو الرغبة في إرجاع عقارب الساعة إلى مرحلة سابقة أبسط كما يتخيل".
وتختم ستيرن مقالها بالقول إنّ "الوتيرة المتسارعة لتطور التكنولوجيا ستستمر في جلب العالم كله إلى بيوتنا، ما يجعل البعض يشعر بالحيرة والعزلة، بالإضافة إلى أن التغيرات المناخية ستستمر في الصراع على الموارد وموجات الهجرة، والمجموعات الإرهابية ستستمر في الظهور، سعيا لإعادتنا إلى الحقبة الذهبية عندما كانت عوالمنا محتواة بشكل مرتب، وعندما كان الصحيح والخطأ واضحين تماماً".