بالأمس إتخذ الصراع على التكليف والتأليف وشكل الحكومة منحى مغايرا، فانتقل من عض الأصابع الى الضرب تحت الحزام، حيث بدا واضحا أن بيان الحريري الذي حسم فيه رفضه التكليف هو بمثابة "قطع حبل السرة" مع رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، لذلك فقد جاء الرد سريعا من مصادر قصر بعبدا حول تعيين موعد الاستشارات يوم الخميس المقبل وذلك في محاولة لرد الصاع صاعين للحريري الذي عاد وأوضح بأنه لم يقترح أي إسم لرئاسة الحكومة وأن خياره سيتحدد مع الدعوة الى الاستشارات النيابية، ما يعني رفع الغطاء السياسي عن الخطيب، في حين لم يصدر رسميا عن دوائر القصر الجمهوري أي بيان يدعو الى الاستشارات النيابية الملزمة يوم الخميس المقبل، ما يعني أن المفاوضات بين الأفرقاء ستبقى قائمة وأن الأمور ما تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.
كل المؤشرات توحي بأن الرئيس الحريري ما يزال يرغب في تشكيل الحكومة الجديدة، لأن ذلك يتعلق بوجوده ويمستقبله السياسي، وبالتالي فإن ما قام به أمس على صعيد بيان الاعتذار له أكثر من تفسير، لجهة:
أولا: أن يكون الحريري قد لعب "صولد" بانتظار ردة فعل الأطراف الأخرى تجاه إعتذاره، والعودة الى مناقشة شروطه، خصوصا أن عدم الدعوة رسميا الى الاستشارات النيابية بالرغم ما سربته مصادر القصر الجمهوري عن موعدها يوم غد الخميس يؤكد رغبة الثنائي الشيعي باستمرار الحريري في تحمل مسؤولياته.
ثانيا: سعي الحريري الى تبرئة ساحته أمام الحراك الشعبي برفض تشكيل الحكومة لعدم موافقة سائر الأطراف على شروطه بأن تكون تكنوقراط خالية من السياسيين والحزبيين، ومن ثم قبوله بالتكليف بعد جولة مفاوضات جديدة إنطلاقا من الحرص على المصلحة الوطنية ومن ثم تمرير تشكيل حكومة تكنوسياسية بهدوء خصوصا مع الحديث بأن هناك موافقة دولية ضمنية على حكومة من هذا النوع إحتراما للتوازنات السياسية اللبنانية، والاتجاه نحو دعمها.
ثالثا: إستفادة الحريري من عدم وجود أسماء جدية منافسة لتشكيل الحكومة إضافة الى وجود ماكينة تعمل على حرق الأسماء التي تطرح من هنا وهناك، ما يجعله يتدلل كونه يشكل خيارا وحيدا أمام الطرف الآخر الذي لا يرغب في تشكيل حكومة لون واحد لأن ذلك سيكون له تداعيات خطيرة جدا على البلد وإقتصاده.
في كل الأحوال، وأمام مشهد التوترات الأمنية المتنقلة من جسر الرينغ الى ساحة الشهداء الى صور والنبطية وبعلبك وبكفيا وطرابلس، وأمام مشهد المواطنين أمام المصارف بانتظار حفنة من الدولارات لتأمين كفاف إسبوعهم، وأمام الانهيار الاقتصادي وتراجع الليرة أمام الدولار، وأمام الفوضى التي تجتاح البلاد بطولها وعرضها، وأمام حالة الهلع التي تسيطر على اللبنانيين بكل فئاتهم، يبقى المشهد السياسي على بشاعته، بوجود مسؤولين تخلوا عن كل ما يمت الى الوطنية بصلة ويقودون البلد عن سابق تصور وتصميم الى الدرك الأسفل من الهاوية.