تحت عنوان عن الحراك وأزمة الداخل الإسرائيلي... والحرب، كتب يحيى دبوق في "الأخبار": لا جدال في أن على طاولة التقدير في تل أبيب جملة أسئلة فرضها الحراك والاحتجاجات في لبنان. فهل ما يحدث من شأنه إتاحة الفرصة لتغيير المعادلة في مواجهة حزب الله، بمعنى التسبب في انكباحه عن اسرائيل، أم تهديد من شأنه تحفيز استعداده وجاهزيته أكثر في مواجهتها؟
كذلك، إن كان فرصة، فهل يشغل حزب الله عنها إشغالا محدوداً من شأنه التشويش فقط على جاهزيته، أم إشغالاً واسعا يتيح لإسرائيل الرهان على تغيير المعادلة التي حكمت إنكفاءها عن الساحة اللبنانية، طوال السنوات الماضية؟
في الوقت نفسه، لن يغادر طاولة البحث في تل أبيب السؤال الآتي: هل ما آلت إليه الأوضاع في لبنان كافية لتحقيق مصلحة إسرائيل في مواجهة حزب الله، إنْ كان التشخيص أنه فرصة، أم أنه يتطلب تحركاً ما وإضافات، بأصالة إسرائيل عن نفسها أو بالإنابة عنها؟ وإن كان تهديداً يتسبب في توثب حزب الله ضدها، فما هو التحرك والإضافات التي تحول دون ذلك؟
بالطبع، لا تتعلق هذه الأسئلة بهوية الحراك ومنطلقاته وأهدافه، وكذلك هي لا تعني تخويناً، بل ترتبط حصراً بواقع استجد في لبنان، ففرض نفسه تلقائياً على طاولة التقدير والقرار في تل أبيب، شأنه شأن أي متغير وافد أو تولد في الساحة اللبنانية، حيث التهديد الاستراتيجي الأول على الأمن الإسرائيلي.
تتعذر في الواقع الإجابات. ليس فقط على المتابعين والمراقبين للشأن الإسرائيلي وحزب الله، بل ربما أيضاً على من يتحلق حول طاولة التقدير في تل أبيب، وكذلك القرار في بيروت. يعود ذلك إلى جملة عوامل، من بينها أن الفرصة والتهديد عاملان ضروريان ويتحتّم الوقوف عندهما، لكنهما غير كافيين في الحالة اللبنانية تحديداً، لبلورة القرارات.
في موازاة ذلك، تتقدم كما هي العادة المتبعة في التحليل العربي، رغم ثبوت فشل هذه التحليلات، أسئلة الحرب وترجيحاتها لدى الأزمات الإسرائيلية الداخلية واقتراب موعد الانتخابات في الكيان الاسرائيلي، فكيف إن اجتمع المطلبان معاً، الأزمة والانتخابات.
إن كانت الاحتجاجات في لبنان فرصة، كذلك إنْ كانت الأزمة الداخلية في إسرائيل محفزاً، إلا أن مسألة الحرب تتعلق في الحالتين بظرف خارجي مساعد، إنْ كان القرار صادراً بالفعل في تل أبيب، وينتظر توقيت تنفيذه عاملاً مساعداً.
في ذلك، الأجدى أن يكون الآتي حاضراً، لدى الربط الدوري المعتاد بين ما يسمى "المتغيرات الخارجية" على قرارات تل ابيب، وعوامل كافية في ذاتها للتسبب في اعتداءات ومواجهات عسكرية مبادر إليها من قبل إسرائيل:
- في الخلفية، لا جدال في أن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً، وهي كذلك قادرة على إلحاق الأذى بلبنان أكثر بكثير من الأذى الذي يلحقه حزب الله بها في حال المواجهة العسكرية. لكن هل يكفي ذلك، كي تبادر إسرائيل إلى مواجهة، أو إلى ما من شأنه التسبب فيها؟
الإجابة مرتبطة بالأذى التي تُقدّر إسرائيل أنه سيَلحق بها جراء المواجهة، وليس الأذى الذي يمكن أن تتسبب فيه للبنان. وكلما كان الأذى الذي تُقدّر إسرائيل أنه سيلحق بها مرتفعاً (أي إمكانات الضرر البشري والمادي)، كانت أسباب الامتناع عن التسبب في المواجهة مرتفعة. وهذا واحداً من أهم العوامل التي يُعمل على تجاهلها لدى الحديث عن إمكانات الحرب الإسرائيلية.
- لا يبدو إلى الآن أن الفائدة من الاعتداء الإسرائيلي في لبنان، تبرر الاعتداء وتجعل المخاطرة ممكنة. يمكن التقدير، مع قليل من الحذر، أن أي فائدة لإسرائيل جراء اعتداء - كبر أو صغر - ستكون مؤقتة ولا تلغي في الواقع إمكان استيلادها من جديد، ويشمل ذلك ما يتعلق بالوافد الجديد على المعادلة، وهو "تصنيع الصواريخ الدقيقة في لبنان"، بحسب ما تقول تل أبيب.