تحت عنوان: "ما لم يقله الابن: ماذا كان ليفعل رفيق الحريري؟"، كتب نقولا ناصيف في جريدة "الأخبار": غالباً ما قال الرئيس سعد الحريري بأنّ بوصلته ودليله في العمل السياسي هما والده. في المفترقات الصعبة يستلهم التصرّف منه. آخر مرة قال ذلك في 20 تشرين الأول 2016، يوم أعلن ترشيحه الرئيس ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
أكثر من مرة استخدم الرئيس سعد الحريري السؤال الآتي: ماذا كان ليفعل رفيق الحريري في مثل هذا الموقف؟
قد يكون من الظلم، ليس للحريري الابن، بل للحريري الأب، إجراء مقاربة بين أب وابن، كلاهما وُجدا مرة تلو أخرى في مشكلة مماثلة، لكنهما لم يتصرّفا على النحو نفسه. ولذا صحّ مجدداً أن هذا الابن ليس سرّ ذلك الأب.
عشية عيد الميلاد، 24 كانون الأول، أطلق رئيس حكومة تصريف الأعمال حملة ساخنة على الخصوم والحلفاء على السواء، مع قليل من الماء البارد عندما تحدث عن الرئيس نبيه برّي وكذلك عن حزب الله، كي يستنتج أن "الحريرية السياسية" تتعرض إلى اعتداء وتحامل سيستمرّان.
على غرار ما يقال بأنّ لا "ديغولية" بلا شارل ديغول، ولا "ناصرية" بلا جمال عبدالناصر، ولا "شهابية" بلا فؤاد شهاب، فليست ثمّة "حريرية" بلا رفيق الحريري. لم يثبت بعد عكس القاعدة هذه، مع أن بعض مَن خَلَفَ هؤلاء من الأبناء والرفاق الروحيين لم يستطع أن يكون تواصلاً لأيّ منهم. مع أن "الحريرية" لا تشبه أياً من المدارس تلك من قريب أو من بعيد، وربما من الظلم تحميلها هذا الإرث وخصوصاً أن تجربتها في ظل الرئيس الراحل لم تكتمل، واقع الأمر أن اغتياله قبل 14 عاماً قوّض تماماً المشروع الذي انقطع كلياً عندما خلف الرئيس فؤاد السنيورة صاحب المدرسة مرتين على التوالي، من غير أن ينجح في استرجاعها، لذا كانت حقبة السنيورة في حكومتَيه تشبهه هو لا الحريري الأب.
خسارة الحريري الابن معركتين سياسيَّتين ثمينتين ليست نهاية العالم، وقد لا تكونان الأخيرتين. أُسِقطت حكومته الأولى عام 2011، وأخرج هو نفسه بنفسه من ثالثة حكوماته عام 2019، من غير أن يقول الآن ما راح يقوله في محطات مشابهة. في 20 تشرين الأول 2016 قال أيضاً: "ماذا في رأيكم كان ليفعل رفيق الحريري؟ هل كان ليصرخ أو ليُحرّض طائفياً ومذهبياً؟ هل كان ليقول احملوا السلاح في 7 أيار؟ هل كان ليخرج من المحكمة في لاهاي ويقول إنّه لا يريد أن يتكلم مع أحد في البلد؟ هل كان ليوقف الحوار؟ (...) كان رفيق الحريري ليسأل نفسه: كيف نحمي لبنان وأهله؟".
ليست علاقة الحريري الابن بالرئيس ميشال عون بالتردي وانعدام الثقة والمزاج والطباع وكل تنافر تقريباً كالذي كان بين والده والرئيس إميل لحود. طوال ست سنوات في الولاية الأولى للحود (1998 - 2004) ترأس الحريري الأب حكومتين من أربع، إلا أن علاقته برئيس الجمهورية كانت أصعب ما يمكن أن يمر بين رئيسين، بل الأسوأ. مرتين وجد الأب نفسه يُرغَم على مغادرة السرايا رغم كونه لمّا يزل حليفاً لسوريا ويحتفظ بظهير سعودي متين، إلا أنه اختار ترك الحكم على طريقته: الأولى عام 1998 عندما تعمّد السجال على المادة 53 وتفويض الأصوات في الاستشارات النيابية الملزمة. كانت عودته إلى رئاسة الحكومة حتمية، لولا إصراره على أن يحظى بإجماع مطابق للذي حصل عليه لحود عند انتخابه. خرج من الحكم وتوعّد رئيس الجمهورية بالعودة إليه على حصان أبيض ستوفره له وتُرغِم الرئيس على الرضوخ إليه انتخابات 2000 بعدما خسر معظم دوائر حلفائه. عند ترك الحكم ثانية عام 2004 بذريعة أن التأليف يلي التكليف خلافاً لما كان يطلبه لحود - المشكلة التي خبرها الابن أيضاً أخيراً - توعّده الحريري الأب بالعودة إلى الحكم مجدداً في انتخابات 2005، وكان واثقاً من فوزه بالغالبية النيابية الكفيلة بتطويع رئيس الجمهورية. كانت تلك المرة الأولى يتحدث عن سعيه إلى تزعّم المعارضة والحصول على غالبية نيابية مناوئة للحود - وطبعاً ليست لسوريا وهو حليفها بعد - من أجل تكرار ما حصل قبل أربع سنوات.