في بيانها الوزاري، تحدثت حكومة الرئيس حسان دياب عن "تفعيل الدبلوماسية العامة التي تتجه إلى صنّاع الرأي والقرار في المجتمعات المختلفة (...) كي تكمل دور دبلوماسيتنا الرسمية". يشير هذا التعهد إلى دبلوماسية موازية للدبلوماسية الرسمية، تخاطب المجتمعات شأن نظيرتها تخاطب الحكومات. مع أن العبارة تبدو محدثة بدلالاتها، بيد أنها تعبّر عن المشكلة الفعلية للدبلوماسية الرسمية اللبنانية، وتكرّس الازدواجية المألوفة في السياسة الخارجية للبنان. في مجلس الوزراء سياسة خارجية، وخارجه سياسة أخرى، على نحو مطابق تماماً لمفهوم النأي بالنفس، في البيانات الوزارية المتتالية منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011. يدين هذا المفهوم بنشوئه، للمرة الأولى واعتماده في ما بعد، إلى الحرب السورية وتداعياتها على لبنان.
أما الدبلوماسية الرسمية، فشأن آخر تماماً.
في أولى مهمات الوزير الجديد للخارجية ناصيف حتّي، شرح الكمّ الكبير من المشكلات اللبنانية المتراكمة المعقّدة التي تبدأ بضائقته النقدية والاقتصادية الخانقة، ولا تنتهي بما يشبه الحصارين العربي والدولي عليه الناجمين من جهة عن العقوبات الأميركية على حزب الله، ومن جهة أخرى ضغوطها على مصارفه، مروراً بتجميد المساعدات وصولاً إلى مأزق لعبة المحاور التي يتخبّط فيها لبنان. أضف التطورات الأخيرة للنزاعات الإقليمية و"صفقة القرن".
منذ مطلع الولاية الحالية، لا سياسة خارجية واحدة ولا وزير واحداً للخارجية. في الحكومتين الأخيرتين، إلى الوزير السابق جبران باسيل، وزير آخر للخارجية طبيعي بحكم الإرث السياسي هو رئيس الحكومة سعد الحريري. قلّما يجولان، الأصل والظل، على العواصم ذاتها أو تكون لكليهما الكلمة المسموعة نفسها عندها. بيد أنهما ليسا الأولين في ذلك.