اليوم تحاول حكومة حسان دياب أن تفرض نفسها بقوة العسكر على أكثرية شعبية لا تريدها، حيث تمثل أمام مجلس نواب محاصر بالاعتراضات والاحتجاجات والغضب عليها، سعيا وراء ثقة نزعها الشعب منها مسبقا وهو مصدر السلطات، وهو الذي كلف في الانتخابات النيابية الماضية النواب تمثيله في البرلمان، وبما أن حضور الأصيل يُبطل دور الوكيل، فإن الجلسة النيابية التي من المفترض أن تعقد اليوم، تحولت الى لزوم ما لا يلزم، طالما أن الشعب المحتشد في الشوارع والساحات قال كلمته بأن لا ثقة لحكومة دياب، ما يجعلها حكومة منزوعة الشرعية.
لم تأت المعارضة الشعبية لحكومة دياب من فراغ، أو حبا بالتظاهر والاحتجاجات والمواجهات مع القوى الأمنية، بل جاءت ردا على تجاهل كل المطالب التي نادت بها ثورة 17 تشرين، وعلى محاولة حسان دياب خداع المحتجين بوعود لم يكن قادرا على الوفاء بها، فمنذ سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري تحت ضغط الشارع، توحد اللبنانيون على كلمة واحدة ربما للمرة الأولى في تاريخهم، فطالبوا بحكومة تكنوقراط من مستقلين وإختصاصيين تكون قادرة على الانقاذ الاقتصادي والمالي، وتضع قانون إنتخابي عادل وتجري إنتخابات نيابية مبكرة على أساسه.
هذا الأمر لم يحصل، فجاءت تسمية حسان دياب بعدما قدم أوراق إعتماده الى بعض التيارات السياسية وخضع لاختبارات تتناقض مع إتفاق الطائف وتصادر دور النواب الذين يملكون حق التسمية في الاستشارات النيابية الملزمة، فكانت "أول القصيدة كفر" بالنسبة له.
أوحى دياب بعد تكليفه أنه "شارب حليب السباع"، فوعد بحكومة مستقلين وإختصاصيين يشكلها رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، قبل أن تنكشف الأمور بعد شهر بالتمام والكمال ليتبين أن دياب لم يكن له رأي بالتأليف وأن الأسماء أسقطت أو فُرضت عليه، حتى أنه أربك بصديقه الخبير المالي دميانوس قطار الذي لم يجد له وزارة وازنة يضعه فيها كما كان يطمح، بفعل إعتراض الوزير جبران باسيل عليه، ما جعله أخيرا يرضى بوزارتيّ البيئة والتنمية الادارية وهو أمر بعيد عن إختصاصه بالكامل.
وعد دياب بوزراء مستقلين وإختصاصيين، فأظهرت التشكيلة وزراء سارعوا الى شكر مرجعياتهم السياسية على تسميتهم، وعشر وزراء من أصل عشرين لا علاقة لاختصاصهم بالحقيبة التي أوكلت إليهم.
وعد دياب بحكومة الانقاذ والاصلاح، لكنه عدّل ذلك الى حكومة مواجهة التحديات، ما دفع كثير من المتابعين الى التساؤل: هل بتبني موازنة حكومة الحريري التي أسقطها الشارع تواجه التحديات، وهل بتبني خطة الكهرباء التي وضعت باشراف جبران باسيل في الحكومة السابقة ومن دون تشكيل هيئة ناظمة يكون الاصلاح، وهل بالعبارات الانشائية والوعود الفضفاضة يمكن مواجهة الانهيار الذي يشهده لبنان.
ومما زاد الطين بلة، هو أن البيان الوزاري تجاهل بشكل كامل الحديث عن إنتخابات نيابية مبكرة وهو المطلب الأساسي لكل من نزل الى الشارع من اللبنانيين منذ 17 تشرين الأول الفائت.
بالرغم من كل ذلك، يحاول حسان دياب اليوم تهريب الثقة لحكومته، ومواجهة شعب أعزل يرفض منحه الشرعية، ما يؤكد أن هذه الحكومة التي لم تأت بجديد، وتعمل وفقا لسياسات وخطط سابقة أثبتت فشلها، هي حكومة عاجزة عن الانقاذ وعن الاصلاح، وبالتالي يمكن أن القول أنها سقطت بالضربة الشعبية القاضية قبل أن تنطلق في عملها.