ينكبُّ أعضاء مجلس القضاء الأعلى على إنجاز التشكيلات القضائية، في ظل انشغال السلطة التنفيذية بهمومها وفضائحها التي تتوالى منذ بدء الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأوّل. وعلى وقع الانهيار الاقتصادي الذي تزداد حدّته يوماً بعد آخر، تتكثّف اجتماعات مجلس القضاء الأعلى الذي يعمل على رسم تشكيلات جديدة، محاولاً، بحسب أعضاء فيه وقضاة مقربين منهم، إبعاد السياسة عن القضاء قدر الإمكان. يقول أحد القضاة لـ"الأخبار": "السلطة السياسية مكبّلة أيديها ومسكرة تمّها وما فيها ترفع عينيها. هذه فرصتنا لنشتغل". غير أنّه رغم التسريبات عن انتهاء مشروع التشكيلات القضائية وإحالتها إلى وزيرة العدل ماري كلود نجم، إلا أنّ مصادر قضائية تؤكد أنّ إنجاز التشكيلات ينتظر حسم بضعة مراكز خلافية ووضع اللمسات الأخيرة عليها خلال الساعات المقبلة.
إلى ذلك الحين، فإن نشاط أعضاء مجلس القضاء الأعلى في مشروع التشكيلات انعكس جموداً بين القضاة الذين تراجعت إنتاجيّتهم وانشغلوا بالشائعات التي سَرَتْ عن إطاحة قاضٍ هنا وتركِ قاضٍ هناك ونقل ثالث من مركزه. وعلى وقع التسريبات هذه، توقّف عدد من القضاة عن العمل لترقّب المرحلة الآتية. فهل ستأتي هذه التشكيلات على مستوى التوقعات فعلاً؟ وهل نجح القضاة في إبعاد السياسة عنهم، أم أنها محاصصة مستترة؟
أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين يجتمعون منذ قرابة شهر، تجاوزوا التجاذب الذي كان قائماً في بداية الاجتماعات بشأن آلية اختيار الأسماء والمعايير المعتمدة لذلك. وتتردد معلومات أنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود كان عرّاب هذه التشكيلات بالاتفاق مع المدعي العام التمييزي غسان عويدات، بعدما كان قد حُكي عن اختلاف في وجهات النظر لجهة رفض عبود أن يختار عويدات فريق عمله في النيابات العامة، على قاعدة أنّ هذه الصلاحية مختصة بمجلس القضاء الأعلى. في مقابل من يقول إنّ "الاعتبار الشخصي" مكرّس عرفاً، لكي يكون الجهاز متجانساً. وهذا ما جرى تداوله بعد إصرار القاضي عويدات على اختيار معاونيه من قضاة الجزاء.
لا شيء محسوم حتى اللحظة، وبورصة الأسماء المتداولة لم تتوقف بعد. أما بشأن أسماء القضاة التي سُرِّب تولّيها مراكز أساسية، فأكدت مصادر قضائية أنّه أُطيح منها جميع القضاة المشمولين بالملاحقة القضائية. وعلمت "الأخبار" أنّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس "ضبضب" أغراضه من المكتب الذي سيغادره قريباً. أما القاضي الذي سيخلفه، فأكدت المصادر أنّه القاضي كلود غانم. كذلك يتردد أنّ القاضية غادة عون ستُنقل من مركزها كمدعٍ عام في جبل لبنان إلى منصب مستشارة في محكمة التمييز، ريثما تنتدب لشغل منصب رئيسة محكمة التمييز العسكرية. وجرى تداول معادلة متفق عليها بأن تبقى عون في مركزها طالما بقي القاضي رهيف رمضان، النائب العام الاستئنافي في الجنوب، في مركزه. وفيما نُفيت هذه المعادلة، تضاربت المعلومات بين قائلٍ بأنّ رمضان سيُنقل من موقعه، وبين ترجيحات بأنّ القرار بشأنه لم يتّخذ بعد، وسط تأكيد بأنّ القاضية عون لن تبقى في مركزها، على أن يخلفها القاضي إيلي الحلو.
نقل القاضية غادة عون كان عقبة من العقبات الأساسية التي اعترضت سبيل مشروع التشكيلات القضائية، ولا سيما أنّ عون كانت رأس حربة في ملف الفساد القضائي لكونها واجهت منفردة جميع القضاة المتهمين بالفساد، ومنهم من هو محسوب على فريقها السياسي (التيار الوطني الحر). وفي هذا السياق، تنقل مصادر مقربة من القاضية عون قولها: "كان عندي رسالة في القضاء. إذا لم يُسمح لي بإيصالها، فسأرحل. وإذا صح ما يتردد، فسأستقيل حتماً".
وأضافت المصادر نقلاً عن عون أيضاً: "إبعادي رسالة لكل من يجرؤ على مواجهتهم. أنا أعدائي هم الفاسدون الذين ادّعيت عليهم وهم من كل الأطراف السياسية". كذلك تتردد معلومات عن أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اعترض على نقل القاضية عون، ما يعني، إذا صح، عودة النقاش إلى المربع الأول.