بشكل مفاجئ، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، مساء أمس الاثنين استقالته من منصبه لدواعٍ صحية. وبحسب تقرير نشرته "العربية"، فإنّ سلامة ترك الأزمة الليبية "معلّقة"، وخلّف تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لانسحابه من الملف الليبي وتداعيات ذلك على مسار العملية السياسية في ليبيا، متسائلةً عن دلالات توقيت الاستقالة، الذي يتزامن مع بدء المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين طرفي الصراع بالبلاد في جينف، وتدهور الوضع على الأرض.
ولفتت "العربية" إلى أنّه تم تعيين غسان سلامة مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى ليبيا في الـ16 من حزيران 2017 خلفاً للألماني، مارتن كوبلر، لكن جهوده في إرساء السلام لم تنجح في هذا البلد الذي لا يزال يعاني فوضى أمنية وانقساماً سياسياً وصراعاً على السلطة، حيث واجه أداءه وطريقة إدارته للأزمة انتقادات عديدة داخل ليبيا.
وبيّنت "العربية" أنّ القراءات والتحليلات اختلفت بشأن دوافع الاستقالة، حيث رأى رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة الذي وصف استقالة سلامة بالخسارة لليبيا، أن المبعوث الأممي سئم مناورات أطراف الأزمة السياسية، التي تسعى جاهدة لإجهاض وإفشال جميع المسارات السياسية التي تمخضت عن مؤتمر برلين ونسف جميع أشكال الحل السياسي أو الحلول التوفيقية من خلال شروطها التعجيزية المسبقة، للدخول في المفاوضات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأخيرة.
وأضاف حمزة قائلاً: "يبدو أنه وصل معهم إلى طريق مسدود، جميع الأطراف السياسية الليبية، بالرغم من انقسامها وتشرذمها واقتتالها، اتفقت على توجيه أسهم العداء إلى سلامة وإفشال مساعيه، وهذا فشل لليبيين بالدرجة الأولى الذين يسعون لإطالة أمد الأزمة من خلال التعنت والرفض لجميع أشكال الحلول، ولا تتحمل مسؤوليته لا البعثة الأممية ولا الأمم المتحدة ولا المبعوثون الامميون السابقون"، على حدّ تعبيره.
وأشار حمزة في حديثه إلى أن بعض الأطراف السياسية سعت إلى إفشال مهمة سلامة، من أجل إطالة الأزمة، لأنها تعلم أنّه في انتهاء الأزمة انتهاء لوجودهم، مؤكدا أن أزمة ليبيا ليست في مبعوثي الأمم المتحدة، وإنما في سياسييها وفي كل مؤسساتها، بحسب ما أوضح.
كما وصف حمزة رحيل سلامة عن الملف الليبي بالخسارة لليبيا باعتباره الشخص الأكثر قدرة وفهما في التعاطي مع الأزمة الليبية، خاصة أنه أتى من رحم أزمة سياسية وحرب أهلية طاحنة في لبنان، موضحاً أن المبعوث القادم لن يكون قادرا على الحل في ظل تعنت الأجسام السياسية الليبية وعدم رغبتها في التوصل إلى الحل.
من جانبه، رأى المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، أنّ تنحي سلامة لا يعني فشله شخصيا، بل فشل كل الليبيين، خاصة الأطراف الرافضة للتنازل التي كانت ولا تزال مصرة على إقصاء الخصوم سواء سياسياً أو عسكرياً، معتبراً أنّ تعيين بديل لسلامة سيكون مهمة صعبة للأمين العام لملء الفراغ الذي سيتركه، كونه ملماً بالملف الليبي وناطقاً بالعربية وعلى تواصل مع عدة دول فاعلة في الملف الليبي. ودعا فركاش البعثة الأممية إلى تدارك هذا الأمر في أقرب وقت ممكن بنشر بيان تؤكد فيه أن خطة سلامة للسلام مستمرة بوجود نائبته الأميركية ستيفاني ويلياميز، قبل أن تتحول لغة التواصل بين الأطراف الداخلية إلى لغة أكثر تسليحا وأكثر دموية، وتترجم استقالته على أنها انتهاء للهدنة.
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية ناصر الإبراهيم أن سلامة فشل في أداء مهمته بشكل كبير، خاصة في المفاوضات الأخيرة في جنيف، التي غاب فيها الطرفان الرئيسيان المؤثران في الأزمة عن طاولة الحوار، مشيرا إلى أنه لم ينتج أيّ حل منذ قدومه وتحوّل في بعض الأحيان إلى طرف في الأزمة بانحيازه إلى حكومة الوفاق المدعومة من المجموعات المسلّحة والمرتزقة، كما أنه وقع في عدة سقطات عندما أطلق وعودا للأطراف الدولية بقدرته على إيجاد الحل، لكنه فشل فشلا ذريعا، بحسب ما قال.
يذكر أنه باستقالة سلامة، تدخل المفاوضات بين الأطراف الليبية في حالة شلل في انتظار تعيين بديل له، وتذهب جلّ التوقعات إلى أن نائبته الأميركية ستيفاني ويليامز ستخلفه على رأس البعثة الأممية إلى ليبيا، بحسب تقرير "العربية".
كما يشار إلى انه منذ سقوط نظام معمر القذافي عام2011، توافد على ليبيا 6 مبعوثين أممين، فشلوا كلّهم في إيجاد سبيل يخرج البلاد من حالة الاقتتال والانقسام، إلى تسوية عادلة تسهم في إعادة الاستقرار إلى البلاد، وتعيد ترتيب الأمور، وهم الأردني عبد الإله الخطيب والبريطاني إيان مارتن واللبنانيين طارق متري وغسان سلامة وكذلك الإسباني برناردينو ليون والألماني مارتن كوبلر.