وعلى وقع الهدوء الحذر الذي لا يزال يسود جبهات إدلب، تثار تساؤلات عن ما إذا كان تراجع آلة الحرب، من شأنه إفساح المجال أمام العودة للحل السياسي، في حين أبدت أوساط المعارضة السورية تشاؤما حيال تحقيق ذلك، مؤكدة خلال على عدم جدية الحكومة السورية في المضي بالمسار السياسي.
ونقلت صحيفة "الوطن" الموالية الثلاثاء، عن مصادر دبلوماسية لم تسمها، تأكيدها وجود مساع دولية، لعقد جولة جديدة للجنة المصغرة لمناقشة الدستور، في جنيف قبل نهاية آذار الجاري.
وكانت اللجنة الدستورية، قد عقدت أول اجتماعاتها في أواخر تشرين الأول، وبدايات تشرين الثاني الماضيين، حيث عقد اجتماع للجنة الموسعة استمر يومين، تبعته اجتماعات للجنة المصغرة استمرت أسبوعا.
لكن الجولة الثانية من اجتماعات "اللجنة المصغرة" انتهت في أواخر تشرين الثاني الماضي، دون عقد أي جلسة عمل، وسط اتهامات متبادلة من طرفي الصراع بالتسبب في عرقلة عمل اللجنة المكلفة بإعداد دستور جديد للبلاد.
وكانت المعارضة قد رفضت مقترحا بنقل عمل اللجنة الدستورية من جنيف إلى دمشق، معتبرة أن الهدف من ذلك عرقلة عمل اللجنة، وشككت بنوايا النظام من الترويج لهذا المقترح.
وفي شباط الماضي، كان المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، قد أكد تواصل الجهود الأممية لتضييق هوة الخلاف من أجل استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.
وقال: "لدينا أمل في تسوية الخلافات، ودعوة اللجنة إلى اجتماع في القريب العاجل"، مؤكدا عزمه العمل على مواصلة الحوار مع النظام السوري وفصائل المعارضة، وكل الأطراف المعنية بالأزمة السورية.
من جهته، قال الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن المعارضة السورية هادي البحرة، إن إصرار "النظام السوري" على المضي بالسعي نحو وهم حسم عسكري وتصعيد أعماله العدائية تجاه المدنيين والسعي لقضم المزيد من الأراضي، يشير بشكل واضح إلى عدم جديته تجاه العملية السياسية، مؤكداً أنّ "المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، غير يبدرسون، يبذل جهوده من أجل عودة انعقاد جلسات اللجنة الدستورية".
واستدرك البحرة قائلاً: "لكن تبقى الأولوية هي تحقيق وقف إطلاق نار شامل في شمال غرب سوريا، فإن التزم النظام وداعموه، من الممكن حينها البحث في انعقاد اللجنة الدستورية وفق جدول أعمال محدد ومن ضمن حدود تفويضها"، لافتاً إلى أنّه لا بد أن يتحول وقف إطلاق النار، إلى وقف شامل مع آليات رقابة وردع يحقق الهدوء ويؤمن البيئة المناسبة لتحريك العملية السياسية وكي تتحرك بشكل مجدي.
وتابع البحرة: "لا بد من التوصل إلى توافقات دولية وإقليمية تجمع على ضرورة التنفيذ الكامل والصارم لقرار مجلس الأمن رقم 2254(2015) وفق الجدول الزمني الذي جاء فيه، ووفق التراتبية التي نص عليها".
من ناحيته، قال عضو "هيئة التفاوض" التابعة للمعارضة، يحيى العريضي، إن "من الواضح أن إدلب التي تحولت إلى سوريا مصغرة، تشهد صراعا تركيا روسيا إيرانيا، تحرك الولايات المتحدة خيوطه، والنظام السوري في هذه المعادلة ليس إلا تفصيلا بسيطا". وأوضح العريضي قائلاً: "روسيا وتركيا تريدان إزاحة إيران، وكذلك الولايات المتحدة، من جانب آخر تريد روسيا وإيران إخراج تركيا، كذلك حاولت إيران قبل أسابيع سحب تركيا إلى جانبها من وراء روسيا، لكنهم فشلوا".
وتابع العريضي، بأن إيران التي استشعرت بوجود محاولات استبعادها من الملف السياسي، عمدت إلى تعطيل تلك المساعي بالعمل العسكري على الأرض، مؤكدا في هذا الصدد أن "إيران هي المسؤولة عن الرد التركي العسكري العنيف في إدلب".
وقال إن ما جرى في موسكو اتفاق معدل عن اتفاق "سوتشي"، والولايات المتحدة قطعت الطريق على المساعي الروسية في مجلس الأمن، لكسب دعم الأخير للاتفاق، ما يعني فشل روسيا في فرض حل وفق رؤيتها.
وبحسب العريضي، فإن الخطوة الأميركية تكشف عن رغبة منها، بالعودة إلى القرارات الأممية للحل في سوريا، ما يعني أن مسار جنيف هو المخرج الوحيد.
ورأى أنه مع اقتراب تطبيق الولايات المتحدة لقانون "قيصر"، سيكون الحل السياسي أقرب نسبيا.
بدوره، رحّب عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، عبد المجيد بركات، بإعلان وقف إطلاق النار، الذي يجنب ملايين السوريين المزيد من الكوارث.
وأعرب عن أمله باستمرار وقف إطلاق النار، مشككا "بجدية النظام والمليشيات غير المنضبطة المساندة لقواته، بالالتزام"، قائلاً: "نسعى في المعارضة السورية إلى التوصل إلى آلية دولية حقيقية، لمراقبة وقف إطلاق النار، منعا من انهياره كما حدث مع الاتفاقات السابقة".
ولدى سؤاله عما إن كان وقف إطلاق النار سيؤدي إلى الدفع قدما بالمسار السياسي للحل في سوريا، رد بركات: "لا نعلم إن كان الاتفاق التركي الروسي الأخير، قد تطرق في بنوده السرية إلى الحل السياسي"، مضيفاً: "من الواضح أن مسار الحل السياسي لا يزال معطلا، لأن النظام السوري يربط التحرك العسكري بالحل السياسي، وسبق أن تهرب النظام من المسؤوليات السياسية في جنيف، وحتى في لجنة الدستور، بمواصلة العمل العسكري".
وقال بركات: "عودنا النظام أن يتعنت في المسار السياسي، عندما يحرز تقدما عسكريا على الأرض، لأنه يدرك تماما أن جوهر العملية السياسية لن يشكل له طوق نجاة"، مضيفا أن "النظام سيستمر بعرقلة أي حل سياسي، حتى يعيد إلى سلطته كل الأراضي السورية".