منذ اجتماعها الأول وحتى اليوم لم يتخط جدول أعمال الحكومة الـ10 بنود مع العلم ان الهدف الذي تشكلت على أثره كان انقاذ الوضعين الاقتصادي والمعيشي، قبل أن تتلقى ضربة الوباء الكوروني القاتل. لم يتّخذ الوضع المعيشي اهتماماً ولا أولوية بين البنود الوزارية، لتقتصر خطتها على مساعدة الـ400 ألف ليرة للعائلات الأكثر فقراً. وبدلاً من العمل ليل نهار من دون انقطاع لإيجاد سبل تأمين القوت والطبابة للفئات المهمّشة والفقيرة، تتلهى الحكومة بجدليات التعيينات والمحسوبيات فيما أكثر من 40% من الشعب اللبناني جائع. المصارف مقفلة، والموظفون بالكاد يتقاضون نصف رواتب، بدورها فقدت الليرة أكثر من 50% من قيمتها في ظل ارتفاع التضخم وانحسار القدرة الشرائية 35%.
المواطنون يختنقون، والانفجار بدأت معالمه تتصاعد وهو ما دلّت عليه ثورة الجياع التي انطلقت منذ أيام قليلة ولن يتمكن حتى شبح كورونا من ردعها. وبعيداً من التنظير والوعود الفارغة، أين دور وزيرَي الاقتصاد والمال ومعهما أين وزير الشؤون الاجتماعية، فهل كلّف أحد من هؤلاء نفسه بالنزول الى الشارع وتفقد حال هؤلاء الجياع؟ أم أنهم يكتفون بارتداء ثيابهم الفاخرة وترتيب هندامهم ليظهروا في أبهى حللهم خلال جلسات مجلس الوزراء التافهة!
لم ينجح حتى الساعة سوى الجهد الفردي والمبادرات التطوعية التي يقوم بها الشعب لمساندة بعضه، شعب يدرك تماماً أن دولته فاشلة ومتأخرة لا همّ لها سوى تشكيل لجان خمس لم تقم بإنتاج أي خطة على المستويات كافة.
يجهل الوزراء التقنيّون كيفية إدارة مفاصل الدولة، وسُبُل تحضير ملفاتهم لكي يتم إدراجها على جدول أعمال المجلس، ويكتفون بطرح أفكارهم من خارج جدول الاعمال ليتباحثوا بها وكأنها "دردشة" أو "صبحيّة" لا تشبه غيرها من الصبحيّات. في الواقع تظهر هذه البلاهة في آلية تعيين نواب حاكم مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف. أما الاهم، وهو معالجة الانفجار الامني الذي يلوح في الافق فلا يزال غائباً عن اهتمام الحكومة وهو ما يدفع الى التساؤل عما اذا كان فشل حكومة التكنوقراط في احتواء الغضب الشعبي والفلتان الامني اللذين لم يبدآ بعد الى الاقرار بفعالية الحكومات السياسية.
ولكن عن أي تكنوقراط يُحكى؟ فمنذ أسبوعين، ورئيس مجلس النواب نبيه بري يُهدد بتعليق حضور وزرائه ان لم يُبتّ بحق عودة المغتربين كافة، وعلى خطاه يسير رئيس حزب المردة سليمان فرنجيه الذي هدد بسحب وزرائه على خلفية تعيينات مصرف لبنان، كما ان الوزراء المقربين من التيار الوطني الحر و"حزب الله" يملكون بطاقة حمراء في التصويت على القرارات أم عدمه. هي حكومة مواجهة التحديات كما سماها رئيسها يوم شُكّلت، ويومها وعد اللبنانيين بالاستقلالية السياسية، قبل أن "تظهر" الاحزاب في التعيينات بدءاً من تجميد التعيينات القضائية، مروراً بسحب قانون الكابيتال كونترول، وصولاً الى التجاذبات التي تطغى على التعيينات المالية، وكلّها تتناسى قضية الجياع ومعها مخاطر الوباء الكوروني.
ورغم مشاهد العنف في طرابلس والضاحية الجنوبية، بقي الموضوع الابرز على طاولة مجلس الوزراء ملف إعادة المغتربين علماً أن هذا الامر شبه مستحيل لوجستياً حيث في أفريقيا وحدها على سبيل المثال حوالى 12 الف لبناني طلبوا العودة الى لبنان. وقد وعدت الحكومة بذلك في غضون أسبوع ولكن وبعملية حسابية بسيطة يتبين أن طائرات الـMEA البالغ عددها 16 سيتوجب عليها القيام بـ 160 رحلة من القارة الافريقية وحدها وذلك يتطلب 25 يوماً على الاقل لذلك، وهي فترة كفيلة لاشعال فتيل اضافي...
في المحصّلة، لا تملك حكومة الاختصاصيين هذه سوى "بونبونة" مساعدات تقدمها الى شعبها وهو أقصى ما يمكن لحكومة المراوغة وحكومة "اللجان" تقديمه، عسى ألا تُسيّس الفقر وتلبسه لونها الباهت ليستفيد من هم ليسوا بحاجة الى عون وترك المحتاجين غارقين في عوز إضافيّ".