يواجه الحوار بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي إشكالية، تبدو حتى الآن غير قابلة للحل. كلا الطرفين ينطلق من ثابتة مرتبطة بالليرة اللبنانية لا يتزحزح عنها، ولا يتصرّف حيال الآخر بتساهل. طلب صندوق النقد تحرير سعر صرفها للفور، كي يتمكن من تقدير القروض التي يمكنه أن يقدمها للبنان من ضمن تصوّره للاصلاحات. في المقابل اجاب الوفد اللبناني المفاوض بمعادلة معاكسة، مفادها ان القروض التي يمكن ان يقدمها صندوق النقد تتيح للدولة اللبنانية تقدير موعد تحرير سعر صرف الليرة. الفريق الاول يربط القروض بتحرير سعر الصرف اولاً وللفور، بينما الثاني يضعه في مرحلة لاحقة للقروض التي يدرجها في رأس اولوياته.
اضافت وجهة نظر الوفد المفاوض اللبناني بلسان وزير المال غازي وزني، ان حصول لبنان على 10 مليارات دولار مقسّطة على ثلاث سنوات يجعل تحرير سعر صرف الليرة متاحاً عام 2021، لكن على مراحل، بحيث يصير الى تطبيقه بمرونة وتدرّج.
لا تزال الاشكالية هذه شائكة وقائمة، وإن لا تبدو وحدها عثرة في طريق تقدم المفاوضات بين الطرفين. الى تحرير سعر صرف الليرة، يطلب الصندوق شرطين مهمين آخرين، هما معالجة المالية العامة للدولة عبر عجزي الخزينة وميزان المدفوعات، ومباشرة اصلاحات بنيوية اساسية اولها الكهرباء والجمارك والتهرب الضريبي، ولا تنتهي برفع الدعم عن الخدمات الاساسية وفرض ضرائب صارمة.
على نحو كهذا يتواصل التفاوض بتقطع. تقني بحت يكتفي بلغة الارقام، في وقت تجري فيه مناقشات مسهبة في اوساط مسؤولين كبار عن الحاجة الى مواكبة التفاوض التقني بمظلة سياسية، لا تزال متعثرة الى الآن. بمقدار ما تكمن مشكلة الانهيارين النقدي والاقتصادي في ارقامهما، تقيم المشكلة السياسية في صلبهما، كون المرجعية الفعلية لهذين الانهيارين تتركز على التوالي على الطبقة الحاكمة ومصرف لبنان. ما يشترطه الصندوق من اصلاحات لتقديم القروض يُصوَّر لدى المتحمسين لدوره على أنه اشبه بمَن يمدّ يده الى ما اضحى قطاعات موزّعة على الطبقة الحاكمة: الكهرباء والاتصالات والمرافق والمعابر الحدودية. لذا سهل على اكثر من فريق تفسير مهمة الصندوق على انها تستهدفه هو بالذات لانتزاع هذا الامتياز، ما يفضي الى تعذر الخوض في سبل توفير المظلة السياسية للتفاوض التقني.
ما بات معلوماً ان المهمة المنوطة بحكومة الرئيس حسان دياب، بازاء التفاوض مع صندوق النقد، الاكتفاء بالدور التقني، فيما يُعزى القرار السياسي الى الكتل التي اتت بها. المشكلة نفسها يطرحها التعامل مع خطة ماكينزي. رغم ان حكومة الرئيس سعد الحريري ومن بعدها حكومة دياب تبنتاها، لما تزل حبراً على ورق، ولم يصر الى وضع آلية تطبيقية لها، على اهمية اقتراحاتها لولوج الاقتصاد المنتج، الملازم للاصلاحات البنيوية.