بعد إطاحة خيار شركة "كرول" بسبب صلاتها الإسرائيلية، رسا خيار الحكومة على شركة FTI لتكليفها بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، إلى جانب شركتين سيتم تكليفهما بالتدقيق المحاسبي في دفاتر "المركزي". ومن المتوقع أن يبتّ مجلس الوزراء هذا الامر اليوم. وإذا كانت ذريعة الصلات الاسرائيلية قد استُخدِمت لإبعاد "كرول"، فمن غير المعروف كيفية تعامل الحكومة مع مرشحتها الجديدة، شركة FTI. فالأخيرة تملك ثلاثة مكاتب في الشرق الاوسط: واحد في قطر والثاني في الإمارات العربية والمتحدة، والثالث في "إسرائيل". كذلك، فإن الرئيسة التنفيذية لقسم التكنولوجيا في الشركة (المؤلف من 29 مكتباً في 6 بلدان)، صوفي روس، كانت تعمل في الاستخبارات الإسرائيلية، وتحديداً في قسم الاستخبارات التابع لسلاح البحرية. وهي حاصلة على بكالوريوس العلوم في الهندسة الصناعية من جامعة تل أبيب.
هذه الشركة التي انضمّت عام 2018 إلى الجمعية المصرفية العربية من أجل تقديم المشورة بشأن الأمور المتعلقة بالجرائم المالية، تأسست عام 1982، على يد المهندسين جوزيف رينولدز ودانيال لوكزاك. مقرها في واشنطن، ولديها مكاتب في 27 دولة. تُعدّ من كبريات شركات الاستشارات المالية في العالم. تتخصص في مجالات تمويل الشركات وإعادة الهيكلة والاستشارات الاقتصادية واستشارات التحقيق الجنائي والتقاضي والاتصالات الاستراتيجية والتكنولوجيا...
عملت لصالح شركة إسرائيل للكيماويات ("ICL") لمعالجة قضايا اقتصادية ومالية متعلقة بنظام الضرائب والملكية في «إسرائيل»، وقدّمت أحد تقاريرها للجنة شكّلتها حكومة العدو لفحص تصدير الغاز من الكيان الصهيوني.
أمام هذا الواقع، سيُفرض على مجلس الوزراء تحدٍّ جديد اليوم، بسبب صلات FTI الإسرائيلية من جهة، والاتهامات الموجهة لها بتسريب معلومات سرية من جهة ثانية، وخاصة في ظل تسريب معلومات عن وجود علاقة تربط FTI بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وفي جميع الاحوال، يبقى أن على الحكومة أن تقدّم جواباً واضحاً عن سبب عجزها عن تأليف لجنة تحقيق لبنانية، تضم شخصيات قضائية وقانونية محايدة ونزيهة، وتكليفها التدقيق في حسابات المصرف المركزي، ولماذا يجري التعامل مع هذا الخيار كما لو أنه مستحيل؟
اختبار الدولار
على صعيد آخر، لا يكاد يمر أسبوع من دون أن يصدر مصرف لبنان تعميماً أو بياناً جديداً حول سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية، ويحدد فيه هوية المستفيدين من «امتياز» جديد. وفي كل مرة كانت تجارب المركزي تبوء بالفشل، مع استمرار ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، في موازاة ارتفاع سعر الصرف. فالدولار الذي كان قد لامس الـ10 آلاف منتصف الأسبوع الماضي، عاد لينخفض خلال العطلة الأسبوعية الى أعتاب الثمانية آلاف، ليرتفع مجدداً يوم أمس الى 9000 ليرة لبنانية في السوق السوداء. هذه المرة، مصرف لبنان أمام تحد هو الأكثر جدية منذ بدء الأزمة، يتمثّل في إعلانه يوم أمس تأمين المبالغ اللازمة بالعملات الأجنبية تلبية لحاجات مستوردي ومصنّعي المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية، على أساس سعر صرف ثابت هو 3900 ليرة لبنانية للدولار، على أن يتم تقديم الطلبات وتسديد قيمتها نقداً بالليرة اللبنانية إلى المصارف التي ستسلمها بدورها إلى مصرف لبنان، ويقوم هذا الأخير بتحويل قيمتها بالدولار إلى حساب المصرف المعني لدى المصرف المراسل المعتمد لديه.
ويفترض بهذا التعميم أن ينعكس إيجاباً على الأسعار، ويخفّف من وطأة ارتفاعها، بعد أن سجّل التضخم نسباً قياسية في الأشهر التسعة الأخيرة. فالتاجر الذي كان يضطر الى الاستعانة بالسوق السوداء للحصول على دولاراته من أجل إتمام عملية الاستيراد، سيحصل عليها من مصرف لبنان عبر المصارف بقيمة ثابتة هي 3900 ليرة لبنانية للدولار الواحد بدلاً من 9 آلاف من سوق المضاربات.
إراحة التاجر عبر توفير الدولار له بشكل رسمي من المصارف، يجب أن يترافق مع تراجع تلقائي في التكاليف المترتبة عليه، والتي ستحتسب على أساس الـ3900 ليرة، لتتبع بخفض في أسعار السلع المستوردة. ما سبق هو السياق الاقتصادي المالي الطبيعي للإجراءات المتخذة، لكنها تتطلب مراقبة جدية ومستمرة من وزارة الاقتصاد لمنع المستوردين من المتاجرة بأموال الناس لتحقيق أرباح إضافية وتسريع وتيرة الانهيار، اذ واصلت أسعار السلع ارتفاعها منذ بداية العام حتى الآن بمعزل عن التلاعب الحاصل في سعر الصرف صعوداً وهبوطاً، وبشكل لا يتلاءم مع هذا الارتفاع، من دون أي رقابة تذكر.