هذا الإجراء بعزل هذه المناطق برّره وزير الصحة بقوله إنّ "المنحنى التصاعدي خلال الأسبوعين الأخيرين للوباء، وتسجيل سلاسل عدوى الفيروس في معظم المناطق اللبنانية، توجب على الجميع التحلّي بالمسؤولية والتعاون كي لا نضطر إلى الإقفال العام بعد ارتفاع عدد الإصابات والوفيات في الآونة الأخيرة".
هذا الإرتفاع ترجم في تسجيل 396 إصابة بالفيروس في يوم واحد هو يوم السبت، وهو رقم قياسي لم يسبق أن شهده لبنان منذ تسجيل أول إصابة فيه في شهر شباط الماضي، إذ بلغ عدد المصابين 8442 مصاباً، وهو رقم قابل للإرتفاع أكثر في الأيام المقبلة، خصوصاً بعد تحذير لجنة الصحّة النيابية، قبل نحو شهر، من أن الموجة الثانية من الفيروس يتوقع لها أن تضرب لبنان خلال شهري أيلول وتشرين الأول المقبلين.
وطرابلس التي تحتل المرتبة الأولى بين المناطق الشمالية بما يتعلق بعدد الإصابات، وهو 266 إصابة، كانت شهدت نهاية الاسبوع الماضي تسجيل 37 إصابة زيادة، وهو رقم جعل المستشفى الحكومي في طرابلس غير قادر على استقبال المرضى المصابين بالفيروس، إذ بلغت سعته ذورتها، ولم تعد توجد فيه أسرّة لاستقبالهم، ما أدى لنقل مرضى إلى المستشفيات الأخرى داخل الشمال وخارجه لاستقبالهم ومعالجتهم.
تفشّي الفيروس في طرابلس على هذا النحو، يعود بشكل رئيسي إلى استهتار المواطنين في التعاطي بجدية مع مخاطر تفشّي الفيروس بينهم، معتمدين على “مناعة القطيع” التي لم تثبت جدّيتها، وأوصل الجميع إلى حقيقة مرّة وهي أن كل شخص عليه أن يتخذ تدابير لحماية نفسه ووقايتها من التعرّض للفيروس، أمّا الكلام عن أن طرابلس تحظى بمناعة ضد “كورونا” فلم يكن إلا كلاماً سطحياً وفارغاً.
سبب آخر أسهم بشكل مباشر في ازدياد عدد المصابين بالفيروس هو الفقر، فحاجة النّاس في المدينة، وخصوصاً في باب التبانة ـ أفقرها ـ كانت تدفعهم للبحث عن لقمة العيش غير آبهين بالمخاطر التي تحيط بهم، لا بل إن بعضهم رفع شعار “الموت بكورونا ولا الموت جوعاً”، وسط استخفاف واستهتار بتدابير وإجراءات وزارة الصحة، إلى درجة أنّه يندر رؤية شخص يرتدي كمامة في المنطقة، قبل قرار العزل، إلا وكان يتعرّض للسخرية.
في قضاء المنية ـ الضنية لم يكن الوضع أفضل، إذ سجل يوم السبت 18 إصابة بالفيروس، وهو أعلى رقم يسجل في القضاء في يوم واحد منذ تسجيل أول إصابة في 23 آذار الماضي، علماً أن عدد المصابين بالفيروس حتى يوم أمس هو 58 إصابة، أي أنّ معدل الإصابات قد ارتفع في القضاء خلال 24 ساعة بنسبة 31 في المئة، وكان سبقهم تسجيل 4 إصابات في مستشفى سير ـ الضنية الحكومي، هم طبيب وممرضة ومريضين.
أما في بقية المناطق الشمالية الأخرى، وتحديداً في عكار وزغرتا وبشري، فإنّ الوضع لا يطمئن على الإطلاق، إذ يكاد لا يمرّ يوم إلا وتسجل فيها إصابات، ما جعل البعض يعتبر أن ما يحصل هو نتيجة طبيعية للإستخفاف والتعاطي بعدم جدية مع خطر الفيروس.
في هذا الإطار وقعت حادثة تعبّر عن واقع الحال. شخص في إحدى المناطق الشمالية أصيب بفيروس كورونا، إتصل أهله بخلية الأزمة في منطقته يطلبون المساعدة لإدخاله المستشفى من أجل العلاج. بعد إتصالات أجرتها خلية الأزمة تبين أن المستشفى الوحيد الذي فيه سرير فارغ هو في النبطية، رفض أهل المريض الذهاب به إلى هناك نظراً لبعد المسافة، غير أن تدهور وضعه الصحي دفعهم لإعادة النظر بقرارهم، لكن بعد فوات الأوان لأن السرير في مستشفى النبطية كان قد استضاف مريضاً آخر، ما جعل أهل المريض وخلية الأزمة بمنطقتهم يبذلون جهوداً واسعة ويجرون إتصالا