كتبت "الأخبار": يشوب الموقف الخارجي من الأزمة السياسية الكثير من الغموض والتباينات، خاصة في ما يتعلق بشكل الحكومة، كما بمشاركة حزب الله فيها. أما داخلياً، فحركة التشكيل لم تنطِلق بعد فيما يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري جرّها بصعوبة
تستمرّ الأزمة السياسية في إحكام قبضتها على المشهد الداخلي، وسط تكرار التجربة التي سبقت تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، مع فارق كبير يتمثّل في زيادة الضغط الخارجي على لبنان في ما خصّ الواقع المالي والإقتصادي ودخول عوامل جديدة أسس لها انفجار مرفأ بيروت واستكملتها المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري باتهام سليم العياش بالعملية، ما يُنذر بانهيار مدوّ حاولت الطبقة الحاكمة طيلة الأشهر الماضية تخفيف مساره.
وفيما لم يخرُج لبنان بعد من "صدمة" حكم المحكمة الذي أتى مخيباً للفريق السياسي الذي حاول طوال ١٥ عاماً استغلال القضية ضد حزب الله، تستمر محاولات استيلاد الحكومة الجديدة، ويقودها رئيس مجلس النواب نبيه برّي متمسكاً بالرئيس سعد الحريري إسماً وحيداً لرئاستها لا بديل عنه. ولم يتم التوافق بينَ المكونات السياسية على الحكومة العتيدة رئيساً وتشكيلةً، فيما لا توجد أي معلومة عن الاستشارات النيابية التي يفترض برئيس الجمهورية الدعوة إليها لتسمية من سيؤلف الحكومة الجديدة، الأمر الذي يشي بأن الأزمة مرشّحة لأن تطول في ظل المصاعب الداخلية والخارجية التي تعترض طريق الحريري حتى الآن.
في المقابل، اتت تصريحات مسؤولين غربيين لتمنح القلة المتفائلة بقرب تأليف الحكومة بعض الدعم المعنوي، ولو ان هذه التصريحات اتت حمّالة اوجه. فمعاون وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، لم يضع شروطاً للحؤول دون مشاركة حزب الله في الحكومة، لكنه، في الوقت عينه، لم يجزم بأن بلاده ستتعاون مع حكومة يشارك فيها الحزب. وفي مؤتمر صحافي أمس، قال هيل رداً على سؤال، إن «الولايات المتحدة تمكّنت من التعامل مع حكومات لبنانيّة سابقة تضمّنت عناصر من حزب الله، وسننظر في الأمر في حال تكرر ذلك». وقال هيل إن حزب الله «جزء من الاختلال في النظام اللبناني الذي يسمح له بالتعاطي كدولة داخل الدولة». ولفت إلى ضرورة وضع حد لعملية «إثراء الزعماء» مشيراً إلى أن «لبنان بحاجة إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية ونقدية ومحاربة الفساد المستشري وتحسين الشفافية، مشاكل لبنان لا يمكن حلها من الخارج وتتطلب قيادة ملتزمة بالإصلاح». وتوقع ان يصل القادة السياسيون في لبنان إلى قناعة بوجوب تنفيذ إصلاحات، «بعدما وصلت البلاد إلى الحضيض، وإذا لم يحدث ذلك فأنا على قناعة بأن الجماهير ستكثف الضغوط عليهم». وعدّد هيل التغييرات المطلوبة، وأبرزها «إجراء إصلاحات مالية واقتصادية وإنهاء الفساد المستشري وتحسين الشفافية ومعالجة النظام الكهربائي غير الملائم وإجراء تدقيق في المصرف المركزي».
وقبلَ يومين من كلام هيل، كانَ بارزاً ما صرّح به المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي السفير السابق في لبنان ايمانويل بون في لقاء مع صحافيين معتمدين في قصر الاليزية، قائلاً: «أخذنا علماً بتصريحات السيد حسن نصرالله وعدد من قياديي حزب الله، ولحزب الله دور يلعبه في الصيغة الحكومية المقبلة، وهي ليست صيغة ترقى الى درجة الاجماع ولكنها صيغة عملية، حيث سيكون على الأحزاب المشاركة فيها أن تصوت على الإصلاح وتعطي ضمانات لمصداقيتها». وأضاف بون إن «لحزب الله متطلبات، لكن الأحزاب الأخرى قد لا توافق عليها، ولكننا نشجع القادة اللبنانيين على التفاهم حول مهمة إنقاذ لبنان». وحين سُئل هل تؤيد فرنسا مشاركة حزب الله في الحكومة، أجاب «لسنا نحن من سيؤلف الحكومة، كما أن حزب الله كان جزءاً من الحكومة السابقة، ولن تكون أي صيغة حكومية كاملة اذا لم يلعب فيها حزب الله دوراً». ولفت بون إلى أن «الرئيس ماكرون اعتمد اللغة نفسها مع جميع الأطراف، ونتمنى أن تتشكل حكومة فعالة، وهي ضرورية كي يتسنى للبنان أن يتلقى المساعدات لإخراجه من الأزمة»، وأن «ماكرون تواصل مع ترامب وبوتين وبن سلمان وبن زايد وتميم وروحاني ومدير صندوق النقد في إطار جهوده».
في مقابل هذا الجو، تبرز معطيات أخرى تُشير إلى أن واشنطن والرياض تريدان حكومة محايدة مشرفة على انتخابات نيابية مُبكرة، في محاولة للإنقلاب على نتائج الإنتخابات الأخيرة، واستبعاد حزب الله عن المشهد السياسي بأي ثمن. الرئيس الحريري مُقيّد بالشروط الخارجية والموقف السعودي الرافض لأي شكل من الشراكة مع الحزب داخل الحكومة، ومكبّل بالمواقف الداخلية الرافضة لترشيحه، تحديداً من قبل رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط والقوات اللبنانية. ويبدو واضحاً أن حزب الله وحركة أمل ليسا في وارد الذهاب إلى تشكيل حكومة بلا لون أو تكرار تجربة دياب. أما الرئيس ميشال عون ورئيس تكتّل «لبنان القوي» جبران باسيل فحتى الآن لم يقتنعا بعودة الحريري، ولا الإنصياع لما يقول إنها «شروطه».
يبقى أن البطء وحده يحوط مسار التكليف والتأليف، والذي حاول برّي أمس تعجيله بلقاء عون في بعبدا، مُكتفياً بالقول للصحافيين إن «التواصل مع فخامة الرئيس مستمر». مصادر مطلعة على اللقاء قالت إن «بري يحاول تسويق الحريري وإقناع عون به تحت عنوان ضرورات المرحلة، لكن عون حتى الآن لم يتجاوب، فيما ننتظر موقف باسيل». واعتبرت المصادر أن «مهمة بري شبه مستحيلة. فالحريري لم يعطِ أي جواب على تسميته وهو تبلغ الرفض السعودي بأن يكون رئيساً لحكومة يشارك فيها الحزب، وبالتالي كيف يُمكن إقناع الآخرين قبلَ إقناع الحريري نفسه»؟ ورأت المصادر أن «تشكيل حكومة سياسية بالشكل الذي يسعى إليه بري دونه عقبات كثيرة. إذ لا يُمكن تأليفها ما دام السقف الخارجي الذي تضعه الولايات المتحدة خلف الأبواب المقفلة هو الحكومة المحايدة. وفرنسا كانت حتى الأمس لا تزال تتواصل مع الأطراف المعنية وتكرر المطالبات بحكومة حيادية تكون لها مهام استثنائية في هذا الظرف و إجراء انتخابات مبكرة». وقالت المصادر أن «الأصوات المعترضة في الداخل على تسمية الحريري لا تزال على حالها، وبالأخص جنبلاط الذي وعد بري بأن يتولى إقناعه. وهناك اتصالات يقوم بها النائبان علي حسن خليل ووائل أبو فاعور في هذا الصدد».