ينقسم المراقبون حيال أديب إلى قسمين: الأول يبدي تفاؤلاً بقدرة الرجل على تأليف الحكومة والذهاب أبعد من ذلك، إلى حدّ ان البعض توقع وفق معلومات ومعطيات متوافرة لديه أن أديب جاء ليطبّق برنامجاً وخطة عمل جرى التفاهم عليها دولياً، وعلى وجه الخصوص بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وأنّ القوى الدولية الأخرى وُضعت في اجواء الخطة وأبدت موافقتها عليها، أو على الأقل عدم اعتراضها عليها، وإن سجلت بعض الملاحظات حيالها، وتحديداً روسيا فضلاً عن الصين.
ويستند هؤلاء إلى تقارير وتسريبات إشارت إلى أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي نزل بثقله لتنفيذ هذه الخطة، وأخذ الملف اللبناني على عاتقه، لم يكن ليفعل ذلك لو أنّ الولايات المتحدة لم تعطه الضوء الأخضر للإقدام على ذلك، فضلاً عن تلقيه دعماً أوروبياً كبيراً، ومثله دعم عربي وخليجي واسع يُنتظر أن يترجم على الأرض قريباً، خصوصاً بما يتعلق بالجانب الإقتصادي، كون خطة ماكرون تهدف بالمقام الأول إلى دعم لبنان مالياً ومنع انهياره، وهو دعم يأتي مقدمة لتسوية كبرى تنتظر المنطقة خلال السنوات المقبلة ويتوقع أن تبدأ ملامحها بالظهور مطلع العام المقبل، بعد الإنتهاء من استحقاق الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
ولا يخفي المتفائلون بقدوم أديب إشارتهم إلى أن الفرنسيين الذين نزلوا بثقلهم في لبنان لا يطمحون فقط إلى استعادة نفوذهم الذي تراجع في السنوات الأخيرة، وهم الذين كانت لهم اليد الطولى فيه في ولادة الكيان اللبناني الحالي قبل 100 سنة وإبّان الإنتداب، إنّما لتحقيق أمرين: الأول الحصول على حصّتهم من ثروات النفط والغاز الموجودة شرق البحر الأبيض المتوسط، ولبنان جزء رئيسي منه؛ والثاني مواجهة تمدد نفوذ تركيا في المنطقة، سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً وثقافياً، وهو تمدّد يثير قلقاً أوروبياً فكانت فرنسا، لأسباب عديدة، رأس حربة لمواجهته.
أمّا القسم الثاني من المراقبين فيبدون تشاؤماً في قدرة أديب على تأليف الحكومة، أو الإقلاع بها إذا ما استطاع تشكيلها. وهم ينطلقون في تشاؤمهم من واقع لبناني معروف بتعقيداته، وأنّ فكفكة هذه العقد ليس من السهولة بمكان، كما أنّ أديب ـ من باب الواقعية السياسية ـ ليس قادراً على ذلك، والدعم الخارجي له لا يكفي لمواجهة شياطين وأبالسة الداخل، الذين لن يلقوا أسلحتهم أو يخسروا مواقعهم وتراجع نفوذهم بهذه البساطة وكأنّ شيئاً لم يكن، علماً أن بعضهم له تاريخ في خوض حروب مدمرة من أجل الدفاع عن مصالحه، سواء الشخصية أو المناطقية أو الطائفية.
وينطلق المتشاؤمون في نظرتهم من 3 نقاط: الأولى إعطاء الرئيس الفرنسي مواعيد زمنية لتأليف الحكومة (15 يوماً) وللقيام باللإصلاحات السياسية والإقتصادية المطلوبة (3 أشهر)، وهي مواعيد ستكون سيفاً مسلطاً فوق الرئيس المكلّف وداعميه إذا تعثر أو تأخر التأليف والإصلاحات.
أما النقطة الثانية برأي المتشائمين فهي بدء وضع العراقيل في وجه تأليف الحكومة، سواء من جهة حجمها، مصغرة أم متوسطة أم موسعة، إلى جانب التباين حول توزيع الحقائب، نظراً لسعي أطراف إلى خوض حروب سياسية ضروس من أجل الحفاظ على حقيبة وزارية معينة.
تبقى النقطة الثالثة وهي مدى مصداقية الدعم الأميركي للخطة الفرنسية، فمن يعرف الأميركيين جيداً يدرك أن مصداقيتهم في هذا الخصوص يحيطها الشكّ من كل جانب.