بالأمس شعر اللبنانيون أنهم أمام مرفأ خاص يعود لجهة محددة تقوم بتخزين البضائع على أنواعها في عنابره ومستودعاته وتعمل على تشغيله بالرغم من الانفجار المدمر الذي أصابه، خصوصا أن لا إدارته ولا الأجهزة الأمنية على أنواعها العاملة فيه قدمت رواية منطقية عن الحريق غير المسبوق الذي إندلع وأتى على ما نجا من الانفجار.
اللافت أن مرفأ بيروت ومحيطه من المفترض أن يعتبر مسرحا لواحدة من أضخم الجرائم في العالم، وأن يكون محميا سواء من الأجهزة اللبنانية أو الأجهزة الأجنبية المساعدة من أميركية وفرنسية وغير ذلك، ما يعني أن كل حركة في هذا المرفأ يجب أن تكون محسوبة ومعروفة ومراقبة ومن خلال إذن مسبق من الأمن المولج بالحماية، وإلا إعتبرت عبثا في مسرح جريمة لم تنته التحقيقات فيها بالرغم من الوعود التي قطعت من أكثر من مرجع رئاسي ورسمي بأن الحقيقة ستعلن في غضون خمسة أيام، ليفاجأ اللبنانيون وبعد 38 يوما على الانفجار بحريق غامض يطال المرفأ ليغطي على جوانب من الحقيقة المنتظرة.
لم يتم التعامل مع مرفأ بيروت على مستوى الانفجار الذي طاله، بل بدا واضحا أن ما حصل أربك كل المسؤولين عنه ومن ورائهم مراجع سياسية وأمنية، ودفعهم الى إستئناف العمل فيه سريعا من دون إحترام حزن اللبنانيين الذين كانوا ما يزالون يفتشون عن أبنائهم تحت أنقاضه، وكأن هناك أمورا يجب تسويتها أو إخفائها أو إصلاحها لكي لا تنكشف مع إنطلاق التحقيقات.
كما تمت المخاطرة في إستقبال بعض السفن من دون تأمين أرضية الأحواض التي قد تكون تعرضت لأضرار بفعل الانفجار الأمر الذي من شأنه أن يهدد هذه السفن، فيما تركت مساحاته لمن يريد أن يسرح ويمرح أو يصول ويجول تحت حجج ومبررات مختلفة ومن دون حسيب أو رقيب.
لم يعد الأمر يحتاج الى كثير من الاجتهاد، فمرفأ بيروت تعرض لانفجار تم تصنيفه الرابع في العالم من حيث القوة والعصف والتدمير، ويوم أمس تعرض لأكبر حريق يشهده لبنان، ما يعني أنه لم يعد مرفأ آمنا، ما يتطلب من المعنيين إقفاله لفترة محددة يصار خلالها الى حصر كل الأدلة التي تساعد في التحقيق، والى إجراء مسح شامل لكل عنابره ومستودعاته للتأكد من أنه لم يعد فيه موادا خطرة أو قابلة للانفجار أو الاشتعال، والى إخراج البضائع تحت إشراف الأجهزة الأمنية المختصة، وأن يتم نقل كل أعماله الى المرافئ اللبنانية من طرابلس الى صور كل بحسب قدرته على إستقبال السفن ومواجهة أعباء العمل، وذلك تمهيدا لاعادة إعماره، وتوفير كل مستلزمات الأمن والاستقرار فيه، وإستعادة دوره الاقتصادي والتجاري والانمائي، بعدما تحول بفعل إهمال وفساد السلطة وغياب الأمن الى أداة قتل وتدمير".