كتبت رلى ابراهيم في "الأخبار": في كل مرة تسعى مجموعات انتفاضة 17 تشرين و"المجتمع المدني" والاحزاب المعارضة الى بناء جبهة ائتلاف معارض، تصطدم بعدم قدرتها على التوافق ولو على لون السماء. منذ العام 2011 تكرر الأداء نفسه، تتلهى بما تخلقه السلطة لها، وتقفز فوق المسألة الأهم: الاستسلام للاحتفالات والانطلاق الى إنشاء أحزاب سياسية ذات برامج واضحة. والحصيلة: تحالف "التحالف" الذي مات قبل أن يولد.
كان الهدف من الاعلان عن "جبهة مدنية" يوم 30 آب الماضي في ساحة الشهداء، إطلاق موقف سياسي موحد وتقديم حكومة بديلة مع برنامج محدد. أطلق البرنامج، لكن مكونات الجبهة المعارضة اختلفت على بيان النوايا، فطارت الجبهة. ثلاثة أسابيع مرت على "التحالف" الذي جمع الكتلة الوطنية، المرصد الشعبي لمكافحة الفساد، بيروت مدينتي، لِحَقي، مسيرة وطن، لبنان عن جديد، عن حقك دافع، منتشرين، شباب 17 تشرين الى جانب بعض المجموعات والهيئات المناطقية، من دون أن يُعقد اجتماع واحد منذ ذلك الحين. انتهى التحالف لحظة إذاعة برنامجه، وهو برنامج - حلم، ككل برامج الأحزاب في السلطة وخارجها. الا أن العبرة في آلية تطبيقه وفي الجهد المبذول لهذا الأمر. فالتحالف ينادي بإجراء جردة شاملة لجميع أصول ومتوجبات الدولة والمصرف المركزي، وتحميل العبء الأكبر من الخسائر لأصحاب المصارف وكبار المودعين الذين استفادوا من السياسيات المالية في الفترات السابقة، ومن ضمنها استعادة جميع الأرباح الناتجة عن الهندسات المالية. ويريدون إعادة هيكلة الدين العام المحلي والاجنبي وإقرار قانون الكابيتال كونترول، وتحرير حسابات صغار المودعين، والتحقيق في جميع التحويلات إلى الخارج وتعيين حاكمية جديدة لمصرف لبنان وإعادة هيكلة القطاع المصرفي بما فيه مصرف لبنان، وإلغاء السرية المصرفية، وإجراء تدقيق جنائي شامل، إضافة الى إقرار قانون موحد لنظام الضريبة التصاعدية على الدخل والثروات والعقارات الشاغرة. معظم هذه النقاط كانت محط خلاف بين أحزاب السلطة منذ 17 تشرين، وأخذت حيزاً من النقاشات والفيتوات التي أسقط بعضها، فيما أُقِر بعضها الآخر بعد أن أفرغ من مضمونه.
السؤال الرئيسي هنا: أين كانت تلك المجموعات حين جرى النقاش في هذه المسائل المصيرية بالنسبة إلى الناس وإلى بناء دولة جديدة بعد محاسبة مرتكبي الموبقات بحقها؟ لماذا لم يؤمّن هذا الائتلاف دفعاً شعبياً لخطة التعافي المالي الحكومية التي أسقطها حزب المصرف والتي تتوافق مع كل البرنامج المالي المطروح من التحالف؟ لماذا وقفت المجموعات تتفرج على إفراغ عقد التدقيق الجنائي في مصرف لبنان؟ ما الذي حال دون الضغط في الشارع لإقرار قانون رفع السرية المصرفية والكابيتال كونترول؟ تطول لائحة الأسئلة هنا، الا أن أحداً لا يملك جواباً شافياً عن ترك الساحة خالية أمام مدمري الاقتصاد وناهبي أموال الشعب، لسرقة الشعب مرة أخرى وإحباط فرصة بناء اقتصاد منتج؛ إذ يقول بعض الناشطين في مجموعات التحالف إن الوقت سبقهم، وإن الاختلاف في الرأي تجاه العناوين السياسية الرئيسية في ما بينهم أدى الى رفض بعض الأحزاب والمجموعات التوقيع على البيان، كالحزب الشيوعي و«مواطنون ومواطنات في دولة» و«تقدّم». وقبيل إطلاق التحالف بيومين، أطلق معدّو الجبهة ورافضو التوقيع والتنظيم الشعبي الناصري والمفكرة القانونية وتحالف وطني واتحاد الشباب الديمقراطي وغيرهم، ما سُمّي «المبادرة» - درابزين 17 تشرين. المبادرة التي ضمت نحو 85 مجموعة وهيئة مناطقية وتجمعات نقابية هدفت الى العمل لتوفير الملتقى الديمقراطي الضروري والقادر على استقبال كل من أعادت إليه 17 تشرين الأمل. قيل يومها إن مشروع بناء «القوّة الثالثة» في الحياة السياسية اللبنانية قد انطلق، قبل أن تتوقف عجلاته بعد يومين ويتفرق معدّوه. مات «التحالف» على مسرح في ساحة الشهداء، لحظة جلوس ممثليه للتعريف عنه على أنه محاولة لبناء جبهة سياسية جامعة في الأيام المقبلة.
الاتفاق على عدم الاتفاق
افتراق المجموعات عند الانتقال الى الحديث الجدّي عن مشروع بناء الدولة، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وسياسياً، ليس مفاجأة ولا يحصل للمرة الأولى. عايشته المجموعات نفسها خلال تحرك إسقاط النظام في العام 2011، وخلال تحركات عام 2015، وصولاً الى انتفاضة 2019. تتركز هذه النقاط على أربع مسائل:
1- الموقف من النظام القائم، أي الإبقاء على اتفاق الطائف وتطبيقه بحرفية عبر إنشاء مجلس شيوخ وهيئة إلغاء الطائفية السياسية أم الذهاب نحو تغيير جذري ودولة مدنية علمانية؟ لم تستطع المجموعات التوافق على أي صيغة ترضي الجميع.
2- النظام الاقتصادي: اقتصاد حر أم تنافسي ضمن أطر محددة؟ وما هي خطوط كل من النموذجين؟ الإبقاء على الاتفاقيات الخارجية أم إلغاؤها؟ تلك معضلات أخذت حيزاً كبيراً من النقاش، من دون أن تصل الى نهاية سعيدة.
لقراءة المقال كاملا اضغط هنا