هذا السؤال المُتَشابِكُ فَرَضَ نفسَه في بيروت أمس، مع بروزِ إشاراتٍ إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون يتّجه إلى عدم اللجوء إلى تأجيل ثانٍ لاستشارات التكليف التي كانت مقرَّرة الخميس الماضي، وذلك بعدما بدا واضحاً أن "ما كُتب قد كُتب" على صعيد الـ "ألو" المقطوعة بين الحريري ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، أقلّه حتى ما بعد تسمية زعيم "المستقبل"، وأن ذريعة عدم توافر ميثاقية مسيحية لتكليفه (في ظل عدم تسميته من التيار و"القوات اللبنانية كلٌّ لاعتباراته) ستجعل عون بحال المضيّ بالتمسك بها يحمل منفرداً مسؤولية الظهور بمظهر مَن يأخذ بصدره "دفْن" المبادرة الفرنسية وما سيترتّب على ذلك من تداعيات جهنمية.
وأبدت أوساطٌ واسعة الإطلاع اقتناعاً بأنّه بعد محاولةِ عون فرْملة ما بدا أنه محْدلة بقوة دفْع داخلية رباعية (من حزب الله والرئيس نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط وتيار المستقبل) لتكليف الحريري، لا تغيب عنها أيضاً المظلّة الخارجية (الفرنسية خصوصاً)، وَجَدَ بعد ثباتِ زعيم المستقبل على عدم الحديث بأي شأن ذات صلة بالتأليف قبل حصول التكليف وحَسْم باسيل أنه لن يغيّر موقفه من تسمية الحريري لتشكيل حكومة اختصاصيين وهو ليس صاحب اختصاص، أمام ضرورةِ فتْح الطريق أمام اللعبة الدستورية لتأخذ مجراها، على أن يبقى ربْطُ النزاع مع التأليف ومسارِه الذي ستضيع الطاسة فيما خص المسؤول عن وضْع العصي في طريقه في ظل تضارُب حسابات الأطراف الرئيسية وشروطها بإزائه، بما يشي أصلاً بأن عملية التشكيل ستكون شائكةً ولن تنتهي بطبيعة الحال أقلّه قبل تَصاعُد الدخان من السباق إلى البيت الابيض".
وبين كل هذه الألغام يسير الحريري، الذي لا يُستبعد أن تتكثف في الأيام الفاصلة عن الخميس محاولات كسر الصمت بينه وبين باسيل، في ظلّ إصرارٍ مُعْلَن من زعيم المستقبل على أنه مصرّ على حكومة بمعيار المبادرة الفرنسية أي اختصاصيين غير حزبيين، من دون الجزم بما إذا كان في وارد التسليم بصيغة ما لإشراك القوى السياسية عن بُعْدٍ في التسمية، بما يجنّب المسعى الفرنسي الضربة القاضية وأيضاً بما يتيح إمرار تشكيلةٍ تُرْضي الداخل ولا تُغْضِب الخارج، رغم الاقتناع بأن كل ما يُرسم في الملف الحكومي من سيناريوات قد يتبدّل برمشة عين في ضوء نتائج الانتخابات الأميركية ومقتضيات التعاطي معها من حزب الله على خلفية الصراع الكبير بين واشنطن وطهران.
وبحال لم تطرأ أي مفاجآت وبقيتْ استشاراتُ الخميس في موعدها، فإن عملية التأليف ستظلّلها أيضاً في رأي الأوساط نفسها 3 عناصر رئيسية:
أوّلها أن تَعاطي التيار الحر معها يصعب أن يكون من خارج حسابات «الحقل الرئاسي» في ضوء الانطباع بأن الكلامَ عن حكومة انتقالية لستة أشهر قد لا يكون واقعياً، وتالياً عدم استبعاد أن تبقى الحكومة العتيدة حتى موعد الانتخابات الرئاسة المقبلة (والنيابية قبْلها مبدئياً).
وثانيها علامةُ الاستفهام حول إذا كان حزب الله الذي أدارَ ظهرَه لباسيل في استحقاق التكليف يحتمل التخلّي عن حليفه المسيحي الأقوى في عملية التأليف مع ما ينطوي عليه ذلك من نتائج غالباً ما كان يتفاداها الحزب.
وثالثها استمرار التحري عن الهامش الذي تتركه واشنطن لباريس في رعاية تبريد برميل البارود اللبناني ومدى استعداد الولايات المتحدة، سواء عاد دونالد ترامب أو فاز جو بايدن، لتغطية حكومةٍ من خارج شرط ألا يكون لحزب الله تأثير فيها، وهو الموقف الذي ينسحب على غالبية دول الخليج التي تبقى المفتاح الأساسي لنجاح أي عملية إنقاذ للبنان.
ومن هنا اكتسبتْ زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لباريس أمس، بعد واشنطن، أهميةً كبيرة وسط رصْدٍ لما سيعود به من العاصمتين خصوصاً بعد تقارير أشارت الى أن محطته الفرنسية قد تشمل لقاءات مع مسؤولين في المفرزة الديبلوماسية التي أنشأها الإليزيه لمتابعة الأزمة اللبنانية.